إلى حماة وأقام التتر ببلاد سرمين وتيزين والعمق وغيرها، ينهبون ويقتلون. وسارت إليهم العساكر، وصادف في هذه المدة تدارك الأمطار وكثرة الوحول بحيث عجز عسكر المسلمين عن الإقامة في تلك المحالّ لتعذر وصول القوت إليهم فرجع إلى مصر كما أتى، ودام التتر على إفسادهم في بلاد حلب نحو ثلاثة أشهر ثم ارتدوا على أعقابهم دون سبب يعلم. ورجع عسكر حلب مع قراسنقر إلى حلب وتراجعت الجفّال إلى أماكنهم. وفيها ألزم السلطان الملك الناصر محمد أهل الذمة أن يلبسوا الغيار، فلبس اليهود عمائم صفرا، والنصارى زرقا، والسامرة حمرا، بعد أن اجتهدوا في دفع ذلك ببذل الأموال لأرباب الدولة فما أفادهم.
وفي سنة ٧٠٣ سارت عساكر مصر وحماة إلى حلب وانضم إليهم عسكرها، وقصدوا بلاد سيس وحاصروا تل حمدان وفتحوها بالأمان من أيدي الأرمن وهدموها إلى الأرض.
وفي سنة ٧٠٥ في أوائل المحرّم المصادف عشرين من تموز أرسل قراسنقر نائب حلب مملوكه قشتمر إلى بلاد سيس، وكان المملوك المذكور أخرق سكّيرا، ففرّط في حفظ العسكر ولم يطالع العدو، فجمع صاحب سيس جموعا كثيرة من التتر والأرمن والفرنج وكبسوا قشتمر ومن معه، فولى الحلبيون منهزمين وتمكن التتر والأرمن منهم وأفنوا غالبهم. ومن سلم منهم اختفى في تلك الجبال، ولم يصل منهم إلى حلب إلا قليل حفاة عراة.
وفي سنة ٧١٠ ولي نيابة حلب سيف الدين قبجق عوضا عن قراسنقر، فلم تطل مدته بها ومات قبل انتهاء السنة وولى مكانه أسندمر، وولي نيابة السلطنة بالفتوحات بحلب جمال الدين أقوش الأفرم. ثم إن أسندمر المذكور استقر بحلب وصدر السلطان متوغر عليه لجرائم سبقت منه، فلم يشعر إلا ووصل إليه جمّ غفير من العساكر المصرية وعساكر حماة وحمص فقبضوا عليه وجهزوه إلى مصر مقيدا وضبط ماله إلى بيت المال، وكان ذلك في اليوم الحادي عشر ذي الحجة.
وفي سنة ٧٩١ لما قبض على أسندمر سأل قراسنقر نائب دمشق من السلطان أن يعيده إلى نيابة حلب لتعوّده عليها، فرسم له بما طلب وحضر قراسنقر إلى حلب واستقر بها إلى أوائل شوال، واستأذن للحجاز فأذن له فخرج من حلب وأضمر في نفسه العصيان، واجتمع بأمير العرب مهنّا بن عيسى واتفقا على المشاققة. فبلغ السلطان ذلك فسيّر إلى