قراسنقر ومهنا يطيّب خاطرهما، فلم يرجعا عن إصرارهما. فجرد إليهما عسكرا فخاما عن لقائه إلى جهة الفرات، وبقي العسكر بحلب والحاكم عليها المشدّون والنّظّار «١» وليس لها نائب.
وفي سنة ٧١٢ في العشر الأول من ربيع الأول وصل نائب السلطان إلى حلب وهو سيف الدين سودي الجمداري الأشرفي الناصري عوضا عن قراسنقر المذكور، وفيها قويت أخبار التتر وجفل أهل حلب وبلادها. وكان وصل إلى حلب- لمدافعتهم- الملك المؤيد أبو الفداء مع عساكره وعسكر دمشق، ثم وصل التتر إلى بلاد سيس والفرات.
فعندها رحل الأمير سيف الدين سودي مع العساكر إلى حماة ودخلها يوم السبت سابع رمضان وأقام بظاهر حماة ونزل بعض العسكر في الخانات. وكان البرد شديدا والجفّال قد ملؤوا البلد، وكان التتر نازلين على الرحبة مجدّين في حصارها. فلما طال حصارهم لها وقع بهم الغلاء ورحلوا عنها في السادس والعشرين رمضان، واستولى أهل الرحبة على آلات حصارهم، وعاد سودي نائب حلب بمن معه من العساكر الحلبية. وفي هذه السنة سعى سيف الدين سودي بجرّ ماء من نهر الساجور إلى نهر حلب، ففتح له مجرى أنفق عليه نحو ثمانمائة ألف درهم، نصفها من ماله والنصف الآخر من بيت المال. وقبل أن يتم العمل قيل له إن من يسعى بجرّ ماء من الساجور إلى قويق يموت بغتة، فترك العمل وذهب ما صرفه سدى.
وفي سنة ٧١٣ خرجت معرة النعمان من معاملات حماة وأضيفت إلى معاملات حلب.
وفي رجب سنة ٧١٤ توفي الأمير سيف الدين سودي نائب حلب، وكان مشكور السيرة وولي السلطان مكانه الأمير علاء الدين ألطونبغا الحاجب، فوصل إلى حلب في أوائل شعبان. وقد انتفعت حلب بهذا النائب وعمر جامعه بالميدان الأسود ونقل إليه أعمدة عظيمة من قورس. وعمرت بسبب هذا الجامع أماكن كثيرة وقد سبق الكلام عليه في محلة ألطونبغا في الجزء الثاني. وفي سنة ٧١٥ في شعبان سار شطر جيش حلب لحصار قلعة عرقينة- من أعمال آمد- فتسلموها بالأمان بلا كلفة وقتلوا بها طائفة وسلخ أخو مندوه وعلّق على القلعة. وأغار العسكر على قرى الأرمن والأكراد ورجعوا سالمين.