وفي يوم الثلاثاء المذكور- وهو رابع عشر ربيع الأول- أخذ تيمور القلعة بالأمان، ونزل إليه دمرداش، وخلع تيمور عليه وصعدها في اليوم الثاني فدخل مقام الخليل وأسفّ رأسه «١» عند عتبته وقبّلها. ثم جلس في المقام وطلب علماء حلب وقضاتها، فحضر إليه القاضي شرف الدين موسى الأنصاري، والعلامة محب الدين بن الشحنة.
وكمال الدين بن العديم، وعلاء الدين أبي الحسن «٢» علي بن خطيب الناصرية وغيرهم فوقفهم ساعة ثم أمر بجلوسهم وطلب من كان معه من أهل العلم وقال لأميرهم وهو المولى عبد الجبار ابن العلامة نعمان الدين الحنفي، وكان والده من العلماء المشهورين بسمرقند:
قل لهم إني سائلهم عن مسألة سألت عنها علماء سمرقند وبخارى وغيرهما من البلاد التي فتحتها، فلم يفصحوا عن جوابها فلا تكونوا مثلهم، ولا يجاوبني إلا أعلمكم وأفضلكم، وليعرف ما يتكلم فإني خالطت العلماء ولي بهم اختصاص وألفة، ولي في العلم طلب قديم.
قال ابن الشحنة: وكان بلغنا عنه أنه يعنّت العلماء في الأسئلة ويجعل ذلك سببا لقتلهم أو تعذيبهم، فقال القاضي شرف الدين عن ابن الشحنة: هذا شيخنا ومدرّس هذه البلاد وفقيهنا اسألوه والله المستعان. فقال عبد الجبار لابن الشحنة: سلطاننا يقول إنه بالأمس قتل منّا ومنكم فمن الشهيد: قتيلنا أم قتيلكم؟ فوجم الجميع وقالوا في أنفسهم: هذا الذي بلغنا عنه من التعنّت. فسكت القوم. قال ابن الشحنة: وفتح الله عليّ بجواب سريع بديع وقلت: هذا سؤال سئل عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأجاب عنه، وأنا مجيب بما أجاب به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
قال ابن الشّحنة: قال لي صاحبي القاضي شرف الدين بعد انقضاء الحادثة: والله العظيم، لما قلت: هذا سؤال سئل عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأجاب عنه، وإنك لمحدّث زماننا وعالمنا، قد اختل عقله. وهو معذور؛ فإن هذا سؤال لا يمكن الجواب عنه في مثل هذا المقام. ووقع في نفس عبد الجبار مثل ذلك، وألقى تيمور سمعه وبصره إلي، وقال لي:
عبد الجبار يسخر من كلامي كيف سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكيف أجاب؟ قلت: جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إن الرجل يقاتل حميّة ويقاتل شجاعة ويقاتل ليعرف مكانه، فأيّنا في سبيل الله؟ فقال عليه السلام: من قاتل لتكون كلمة الله هي