تيمور عاد حلمه في ذلك المجلس. قال ابن الشحنة: وأخذ عبد الجبار يسأل مني ومن شرف الدين، فقال عن ابن الشحنة: هذا عالم مليح، وعن شرف الدين: هذا رجل فصيح. قال ابن الشحنة: فسألني تيمور لنك عن عمري فقلت: مولدي سنة تسع وأربعين وسبعمائة وقد بلغت الآن أربعا وخمسين. وقال للقاضي شرف الدين: كم عمرك؟ قال:
أنا أكبر منه بسنة. فقال تيمور لنك: أنتم في عمر أولادي، أنا عمري اليوم بلغ خمسا وسبعين سنة.
وحضرت صلاة المغرب وأقيمت الصلاة وأمامنا عبد الجبار وصلّى تيمور لنك إلى جانبي قائما يركع ويسجد ثم تفرقنا. وفي اليوم الثاني غدر بكل من في القلعة وأخذ جميع ما كان فيها من الأموال والأقمشة والأمتعة مما لا يحصى. قال ابن الشحنة: أخبرني بعض كتابه أنه لم يكن أخذ من مدينة قطّ مثل ما أخذ من هذه القلعة ولا ما يقاربه، وعوقب غالب المسلمين بأنواع العقوبات وحبسوا بالقلعة ما بين مقيّد ومزنجر ومسجون ومرسم عليه. ونزل تيمور لنك من القلعة بدار النيابة وصنع وليمة على زي المغل ووقف سائر الملوك والنواب في خدمته وأدار عليهم كؤوس الخمر، والمسلمون في عقاب وعذاب وسبي وقتل وأسر، وجوامعهم ومساجدهم ومدارسهم وبيوتهم في هدم وحرق وتخريب ونبش إلى آخر ربيع الأول.
ثم طلبني ورفيقي القاضي شرف الدين وأعاد السؤال علينا فقلت له: الحق كان مع علي، وليس معاوية من الخلفاء، فإنه صح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: الخلافة بعدي ثلاثون سنة. وقد تمت بعلي. فقال تيمور لنك: قل على عليّ الحق ومعاوية ظالم. فقلت:
قال صاحب الهداية: يجوز تقلّد القضاء من ولاة الجور، فإن كثيرا من الصحابة والتابعين تقلدوا القضاء من معاوية وكان الحق لعلّي في نوبته. فانسرّ لذلك وطلب الأمراء الذين عينهم للإقامة بحلب وقال لهم: إن هذين الرجلين نزول عندكم بهذه البلدة فأحسنوا إليهما وإلى ألزامهما وأصحابهما ومن ينضم إليهما ولا تمكّنوا أحدا من أذيتهما ورتّبوا لهما علوفة ولا تدعوهما في القلعة بل اجعلوا إقامتهما بالمدرسة، يعني السلطانية التي تجاه القلعة. وفعلوا ما أوصاهم به إلا أنهم لم ينزلونا من القلعة، وقال لنا الذي ولي الحكم منهم بحلب الأمير موسى ابن الحاجب طغاي: إني أخاف عليكما، والذي فهمته من نسق تيمور أنه إذا أمر بسوء فعل بسرعة ولا محيد عنه، وإذا أمر بخير فالأمر فيه لمن وليه.