وفي أول يوم من ربيع الآخر برز إلى ظاهر حلب متوجها نحو دمشق، وثاني يوم أرسل يطلب علماء البلد، فرحنا إليه والمسلمون في أمر مريج وقطع رؤوس، فقلنا: ما الخبر؟ فقيل: إن تيمور يطلب من عسكره رؤوسا من المسلمين على عادته التي كان يفعلها في البلاد التي أخذها. فلما وصلنا إليه أرسلنا رسولا يقول له: إننا قد حضرنا وهو حلف ألّا يقتل أحد منا صبرا. فعاد إليه ونحن ننظره وبين يديه لحم سليق في طبق يأكل منه، فتكلم معه يسيرا ثم جاء إلينا شخص بشيء من ذلك اللحم فلم نفرغ من أكله إلا وزعجة قائمة، وتيمور صوته عال، وساق شخصا هكذا وآخر هكذا وجاءنا أمير يعتذر ويقول:
إن سلطاننا لم يأمر باحضار رؤوس المسلمين وإنما أمر بقطع رؤوس القتلى وأن يجعل منه قبة إقامة لحرمته على جاري عادته، ففهموا عنه غير ما أراد وإنه قد أطلقكم فامضوا حيث شئتم.
قلت: وحكى القرماني عن بعض الثقات أنه شاهد بظاهر حلب قد بني شبه المآذن من رؤوس الرجال مرتفعة البناء، دورها نيّف وعشرون ذراعا وعلوّها في الهواء نحو عشرة أذرع بارزة وجوهها تسفي عليها الرياح وعدّتها عشرة. ثم قال ابن الشحنة: وركب تيمور لنك من ساعته وتوجه نحو دمشق فعدنا إلى القلعة ورأينا المصلحة في الإقامة بها.
وأخذ الأمير موسى في الإحسان إلينا وقبول شفاعتنا وتفقد أحوالنا مدة إقامته بحلب وقلعتها، وتأتينا الأخبار بأن السلطان الملك الناصر فرج قد نزل إلى دمشق وأنه كسر تيمور، ومرة نسمع بالعكس، إلى أن انجلت القضية عن توجه السلطان إلى مصر بعد أن قاتل تيمور قتالا شديدا أشرف منه تيمور على الكسرة والهزيمة.
ولما كان سابع عشر شعبان المعظم من السنة المذكورة وصل تيمور عائدا من الشام إلى الجبّول شرقي حلب ولم يدخل حلب بل أمر المقيمين بها من جهته بتخريب القلعة وإحراق المدينة ففعلوا ونزلوا من القلعة، وطلبني الأمير السيد عز الدين، وكان من أكبر أمرائه وقال: إن الأمير «تيمور قان» يسلم عليك ويقول: إن عنده مثلك كثيرا وهذه البلاد باب مكة وليس بها عالم فلتكن أنت بها، وقد رسم بإطلاقك ومن معك من القضاة، فاطلب من شئت وأكثر لأروح معكم إلى مشهد الحسين وأقيم عندكم حتى لا يبقى من عساكرنا أحد. وكان القاضي شرف الدين لا يفارقني، وطلبنا من تأخر من القضاة في القلعة واجتمع منا نحو ألفي مسلم، وتوجّهنا صحبة المشار إليه لمشهد الحسين وأقمنا به