للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ننظر إلى حلب والنار تضرب في أرجائها. وبعد ثلاثة أيام لم يبق من التتر أحد ونزلنا إلى بيوتنا بالمدينة فاستوحشنا منها ولم يقدر أحد منا على الإقامة ببيته من النّتن والوحشة، ولم يمكن السلوك في الأزقة من ذلك، كما قال:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ... أنيس، ولم يسمر بمكة سامر «١»

قال أبو ذر في تاريخه: وأما الجامع الكبير فكانت القتلى فيه من الباب الشرقي إلى البركة، وصار الناس يمشون على القتلى إلى بعد ذهاب هذه المحنة فدفنوا بالحجازية «٢» من الجامع.

قال ابن خطيب الناصرية في تاريخه: وقال الشعراء في هذه الحادثة المدلهمة عدة قصائد، فمن ذلك ما قاله بعض أهل الأدب:

يا عين جودي بدمع منك منسكب ... طول الزمان على ما حلّ في حلب

من العدوّ الذي قد أمّ ساحتها ... ناح الغراب على ذاك الحمى الخرب

ويلاه ويلاه يا شهبا عليك وقد ... كسوتني ثوب حزن غير منسلب

من بعد ذاك العلا والعزّ قد حكمت ... بالذل فيك يد الأغيار والنّوب

وحين جاء قضاء الله ما دفعت ... عنك الجيوش ولا الشجعان بالقضب

وأصبح المغل حكّاما عليك ولم ... يرعوا لجارك ذي القربى ولا الجنب

وفرقوا أهلك السادات وانتشروا ... في كلّ قطر من الأقطار بالهرب

وبدّلوا من لباس اللين ذا خشن ... نعم، ومن راحة الأبدان بالتعب

وكلّ ما كان من مال لديك غدا ... في قبضة المغل بعد الورق والذهب

وخرّبوا ربعك المعمور حين غدوا ... يسعون في كل نحو منك بالنكب

وخرّقوا من بيوت الله معظمها ... وحرّقوا ما بها من أشرف الكتب

كذا بلادك أمست وهي خالية ... وأصبحت أهلها بالخوف والرعب

لكن مصيبتك الكبرى التي عظمت ... سبي الحريم ذوات الستر والحجب

من كل آنسة لا شمس تنظرها ... ولا يراها سوى أم لها وأب

يأتي إليها عدوّ الدين يفضحها ... ويجتليها على لاه ومرتقب

<<  <  ج: ص:  >  >>