فأخذ اليكجرية في إضرام نيران الاختلاف بين عساكر النظام وتلك العساكر التي هي غير منتظمة، فحدثت حركة شديدة من بين الفريقين دارت فيها الدائرة على عساكر النظام فهربوا إلى القشل «١» ، وأما العساكر التي هي غير منتظمة فذهبوا إلى اليكجرية وأخرجوا المراجل المشهورة وجعلوها صفوفا في ساحة القشلة، فاجتمع جمهور من اليكجرية المستوطنين وثار معهم جمهور من رعاع المدينة وحينئذ لم يسع السلطان إلا الأمر بإبطال النظام. غير أن اليكجرية لم يرضوا إلا بخلعه وسجنه عند الحريم جزاء لما ابتدع في الإسلام من العادات والملابس الفرنجية على زعمهم، ونادوا باسم السلطان مصطفى. ولما أجلسوه على تخت السلطنة أصدر أمرا بإبطال النظام الجديد.
ثم في السنة التالية قام مصطفى باشا بيرقدار ووقف بعساكره على باب السرايا وطلب متهدّدا إرجاع السلطان سليم إلى تخت الملك. فلما رأى السلطان مصطفى ذلك الأمر خنق السلطان سليما وطرح جثته من كوة القصر إلى العصاة الذين كانوا محيطين بالسرايا.
فساءهم ذلك جدا وهجموا على السرايا وخلعوا السلطان مصطفى ووضعوه في السجن الذي كان فيه السلطان سليم، ونودي باسم السلطان محمود الثاني، وكان السلطان محمود يتردد دائما على السلطان سليم وهو في السجن، ويسرّ جدا بما كان يطلع عليه من تدابير ابن عمه بما يرجع المملكة العثمانية إلى ما كانت عليه من النجاح والسطوة، ولم يكن أقل بغضا منه لطريقة اليكجرية، وكان يحسب نفسه قادرا على قهرهم، فحلف مقسما أنه لا بد من أن يهلك تلك القوة الفظيعة التي كانت قابضة على زمام السلطنة بأيديها الخبيثة.
فتولى مصطفى باشا بيرقدار منصب الصدارة العظمى وأخذ ينتقم من أعداء السلطان سليم، وأما السلطان محمود فصرف همته في اتخاذ التدابير والوسائل اللازمة لقرض زمرة اليكجرية.
وبعد أن تسلح بفتوى من شيخ الإسلام أمر بإجراء نظام اليكجرية القديم بكل صرامة وتدقيق وإبطال علائق المتزوجين منهم، وإجبار المتزوجين بأن يتركوا حوانيتهم ويسكنوا في القشلة، ويتعلموا هناك فنون الحرب ويخضعوا لأصول طريقتهم.
فلما نشرت هذه الأوامر هاج اليكجرية وأظهروا العصيان في شهر رمضان وأضرموا النار في بيوت مجاورة لقصر الصدر الأعظم، فاحترق وهو نائم على سريره، ثم ساروا