للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من دون حساب ولا عقاب، وإذا قدم مركب موسوق «١» حطبا أو فحما إلى الميناء يذهبون حالا إليه ويسمونه بسمة أرطتهم «٢» ، إشعارا بأنه قد دخل تحت ظل حمايتهم وبأنه قد صار لهم حق بيعه وقبض ثمنه، وجميع الخضر الواردة إلى السوق تحت مطلق تصرفهم يبيعونها بما شاؤوا ويعطون أصحابها من الثمن ما سمحت به أنفسهم. وهم في كل يوم يذهبون جميعا باحتفال لأجل أخذ مرتّباتهم، ويتعدون في طريقهم على كل من صادفوه، وقائدهم يمشي أمامهم وبيده مغرفة ضخمة طولها ذراعان وهم يتبعونه حاملين مراجلهم العظيمة على عتلات ومعهم جمهور من المحافظين بأيديهم سياط ضخمة. فإذا اتفق أن أحدا لم يحد عن الطريق- الذي يمرّون فيه- حالما يسمع قولهم: صاغ (أي ظهرك أو احذر) فإن القائد يضربه بتلك المغرفة العظيمة فيرميه إلى الأرض، ثم يأتي أصحاب السياط ويوجعونه ضربا. وإذا رأى الحمّال منهم مع رجل رزمة يجبره أن يسلمه إياها لكي يحملها له، طالبا منه أن يدفع له الأجرة سلفا، التي ربما تساوي قيمتها. ثم بعد قبض الأجرة يسمح له بحملها إن شاء، بشرط أن يعطيه شيئا على ذلك.

وكان إذا بنى أحد بيتا يأتي إليه نجار من اليكجرية ويطرد نجّاريه، ثم يتمم هو العمل متى شاء، وبالطريقة التي يستحسنها. وكان الأمر والنهي في الدواوين والمحاكم والمأموريات بيد أولئك القوم العتاة في جميع بلاد المملكة العثمانية. وكانوا ينصبّون ويعزلون متى شاؤوا.

ولم تزل الأمور جارية على هذا المنوال حتى كادت المملكة تسقط تحت نير تلك القوة الهائلة التي كانت أوربا بأسرها ترتعد من مجرد ذكر اسمها.

وفي سنة ١٢٠٨ ابتدأ السلطان سليم الثالث يتخذ عسكرا جديدا وسماه بالنظام الجديد.

فهاج اليكجرية ومن يتعصب إليهم، فاضطر السلطان إلى إرسال ما كان عنده من العسكر المذكور إلى آسيا ثم أرجعه إلى استانبول حينما اشتغلوا في الحرب خارجا مغتنما تلك الفرصة.

ولما أخذ هذا العسكر الجديد يزيد عدّة، قام الجميع عليه بصوت واحد مدّعين أن ذلك بدعة تضادّ الدين، فاضطره الأمر إلى التسليم لهم أيضا. ثم انتهز فرصة أخرى وأرجع النظام وجعل منه عسكرا محافظين على المدينة وأحضر من آسيا عساكر غير منتظمة لتكثير العدد.

<<  <  ج: ص:  >  >>