للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما السلطان محمود خان فإنه استحضر إلى سراياه جميع الطوبجية، وبعث رسولا إلى اليكجرية العصاة يأمرهم بإلقاء السلاح والتسليم فرفضوا الأوامر واستهزءوا بها. فجمع العلماء وأخبرهم بما كان فقالوا جميعا: إن اليكجرية هم أعداء الدين. فجلس السلطان تلك الليلة في السرايا في نفس الموضع والحالة التي جلس عليها منذ ثمان عشرة سنة، وكانت المدينة بأيدي جنود هائجة قد علا ضجيجهم إلى الجو وملؤوا الأسواق حتى وصلوا إلى باب السرايا وأخذوا يجلبون ويتهددون. وفي صباح اليوم السادس عشر من شهر حزيران من السنة المذكورة أخرج السلطان علم النبي صلّى الله عليه وسلّم من الخزينة وسار بكل جنوده إلى ساحة آت ميدان. وبعد تقديم الدعاء في جامع السلطان أحمد نشر هناك العلم الشريف فأخذت الجماهير تتقاطر إليه، ثم أخذت الجيوش تتقدم نحو اليكجرية وتدفعهم إلى الوراء، إلى أن وصلوا إلى تل مشرف على معسكرهم بقرب جامع السلطان محمود، وكنت ترى جماهير كثيرة من المسلمين يبادرن بسرعة إلى معسكر السلطان لأجل المدافعة عن العلم الشريف.

ثم ثار جماعة من الطوبجية نحو ساحة آت ميدان من دون مصادمة كثيرة، ولم يمض إلا القليل حتى أحاطت الجنود المظفرة بتلك الساحة الفسيحة من كل جهة، وجعلت المدافع على كل مرتفع وفي كل شارع مقابل ذلك الموضع.

وعند ذلك خرجت اليكجرية من القشل قاصدة الهجوم على عساكر السلطان فأرسل السلطان رسولا يأمر اليكجرية أن يسلموا، فقتلوا الرسول وللحال أشعلت الطوبجية المدافع وكان عددها مائة مدفع وأخذت تطلق الكرات والقنابل على ساحة آت ميدان والقشلة، فهجمت اليكجرية على الصفوف السلطانية فدفعتهم العسكر المظفرة دفعة هائلة وذبحوا منهم عددا غفيرا، فرجع من سلم هاربا إلى القشلة، وحينئذ تحولت المدافع نحو القشلة بأسرها، وأشعلت النار الدائمة فلعبت بالقشلة. فصرخ اليكجرية من داخلها طالبين العفو والرجمة فلم يلتفت إلى صراخهم، وذلك أن ألوفا من الشيوخ والنساء والعذارى طالما كانوا يصرخون إليهم في أيام سطوتهم طالبين الرحمة فلم يرحموهم ولا التفتوا إلى صراخهم.

ولم تزل المدافع تعج والبواريد ترسل الرصاص من دون انقطاع حتى سقطت حيطان القشلة إلى الداخل على من سلم فيها من نيران القتال فهلكوا عن آخرهم، ولم ينج أحد من جميع الذين كانوا قد وقفوا في تلك المعمعة لمحاربة سلطانهم وولي نعمتهم، فسحق ذلك العصيان سحقا فظيعا في أول ظهوره، ولكن لم يكن ذلك نهاية العمل لأنه كان لم يزل ألوف من

<<  <  ج: ص:  >  >>