للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليكجرية باقين متفرقين في أماكن مختلفة من المدينة، وكانت الإيالات أيضا مملوءة منهم.

وفي اليوم الثاني خرج فرمان شريف بإبطال تلك الزمرة وملابسها ومصطلحاتها وقشلها حتى واسمها من كل المملكة، ونادى به المنادون. وهذه ترجمته: «بموجب حكم الكتاب والشريعة، إصلاحا لحال أمة محمد، وإحياء للدولة والدين، تلغى أرط اليكجرية من الآن وصاعدا وتبطل كليا. وبموجب اتفاق العامة مع جميع العلماء حرر أنفار عساكر محمدية منصورة مكان هؤلاء، وعلى أهل العرض بعد هذا أن يفتحوا دكاكينهم ويكونوا في أشغالهم ومكاسبهم» . اه.

فوقع الرعب على كل زمر اليكجرية وهربوا متبددين في كل صقع وناد. وكانت الحكومة تفتش عليهم في كل مكان من المملكة وتلقي القبض على كل من وجدته منهم وتعاقبهم بالقتل بالسيف أو بالخنق أو بالسجن أو النفي، بحسب أحوالهم وذنوبهم. وكنت ترى خليج قسطنطينية مملوءا من جثث القتلى الذين كانت تلقى فيه «١» . فبلغ عدد الذين قتلوا ثلاثين ألفا. وهكذا كانت نهاية هؤلاء العساكر المنكودة الحظ، والوبال الذي جلبه لنفسها بغيها وعدم مراعاتها النعمة. وقد أرخ بعضهم هذه الحادثة بقوله: غزاي أكبر، وذلك سنة ١٢٤١.

قلت: إن الفظائع التي كان اليكجرية يجرونها في استانبول، كانوا يجرونها بل أعظم منها في حلب وغيرها من البلاد الخارجة عن استانبول، فقد كانوا قابضين فيها على الحرف والصنائع، وكانوا يعاملون الناس بالجبروت والقسوة ويهينون الأشراف ويهتكون الأعراض. وكانت جميع الفتن والثورات في حلب- التي أسلفنا ذكرها- هم السبب الأعظم بإثارتها وكان زعماؤهم في الدرجة القصوى من الثراء والغنى، وهم على جانب عظيم من العتوّ والكبرياء. وكان ولاة حلب يعجزون عن إخضاعهم وردعهم إلا من لجأ منهم في قهرهم إلى الحيلة والخدعة معهم، كما فعل باستئصال عدد كبير من طواغيهم جلال الدين باشا. وكانوا يجرون في حلب من الفظائع والمخازي ما يقف اليراع خجلا عن تحريره وتسطيره: يهتكون شرف العذارى في حضور أوليائهم وفي منازلهم، ثم يبصقون بوجه الرجل ويأخذون منه ما يوجد عنده من النقود وما عند نسائه من الحلي، ويخرجون من

<<  <  ج: ص:  >  >>