وعشرون تحت الصفر- كان ذوبانها موقوفا على حرارة تعدل درجتها درجة برودتها.
ومن الغريب أن رجلا احتاج إلى منقل مهجور عنده فأسعر فيه النار وطبخ عليها قهوة البن ثم أراد طمر النار في رماد المنقل فأحسّ بجرم في أسفل المنقل تحت الرماد فعالجه فإذا هو قطعة جليد في أسفل المنقل لم تؤثر بها كل هذه النار ولا أذابتها. ومما تقشعر منه النفوس ويقطر له القلب دما موت كثيرين من عرب البادية المخيمين في بيوت الشعر في المفاوز المنقطعة. من ذلك ما حكاه صديق لي من تجار السجاد القافلين من بغداد في هذه الأيام، قال: لما بلغنا مدينة الدير الحمراء واشتد علينا البرد وكثر تساقط الثلج صرنا نسير في عربة مغطاة جلّلناها بالسجاد مع خيولها، ووضعنا فيها موقدة كاز استحضرناها معنا لمثل هذا الطارئ، ولولا ذلك لهلكنا وهلكت دوابنا.
قال: وبعد أن جاوزنا ضواحي الدير قاصدين حلب مررنا على واد لاح لنا فيه بعض بيوت من الشعر منغمسة بالثلج، قال: فنزلت من العربة وقصدت بيتا منها لأستأنس بأهله وأستطلع أحوالهم فوصلت إليه بعد مشقة زائدة، ثم رفعت طرف الخباء ولفتّ نظري إلى داخله فرأيت؛ ولكن ماذا رأيت، لا أراك الله مكروها؟ رأيت ما غشّى على بصري وأوهى عزائمي، رأيت كلبا وأربعة أوادم مطروحين على الأرض جثثا هامدة بلا روح، تبصّ «١» ذرّات الجمد من وجوههم وأيديهم، فعلمت أنهم من شهداء البرد، وعدت عنهم وقلبي يخفق وأعضائي ترتجف. قال: وشاهدت في أثناء الطريق على ضفاف الفرات مئات من جيف الأغنام التي اغتالها البرد. اه.
ورأيت رسالة واردة من بعض تجار اليهود في عينتاب أرسلها إلى شريكه في حلب يقول فيها: بلغ عدد ما افترسته الوحوش من الأوادم في عينتاب وضواحيها في أثناء الثلج بضعا وثلاثين شخصا. وذكر عن واحد قدم من ملطية في هذه الأيام أنه قال: شاهدت في أثناء الطريق المتوسطة بين ملطية وعينتاب نحو ألف صندوق من التفاح وغيره ملقاة على الأرض، قد تخفّف أصحابها بإلقائها وفازوا بأنفسهم ودوابهم.
والخلاصة أن تأثير هذه الحادثة الكارثة عظيم وأضرارها خطيرة لو أفضنا بذكرها لملأنا