بأجرة سنوية معلومة وقد اشتملت اسكندرونة الآن على عدد وافر من المقاهي والخانات والدكاكين والفنادق المعروفة بالأوتيلات وزهاء ثلاثمائة دكان ومكان واسع للكمرك ودار حكومة جميلة وعدة كنائس وعدد وافر من الحانات. ومعظم محاصيل قضائها في هذه الأيام البرتقال والليمون والحرير. ويزرع فيه القمح والشعير ويخرج من بحرها سمك لذيذ يعرف بالمرجاني. وكانت في أيام الدولة العباسية تشتمل على مقدار عظيم من النخيل. وأكثر سكان اسكندرونة أغراب من الفرنج. والمتوطنون أكثرهم نصيرية ثم أروام ثم إسلام وكلهم يتكلمون بالعربي والتركي والرومي.
لم تزل هذه المدينة وخيمة الهواء رديئة المناخ قلما يخلو سكانها من الحميات، وسبب ذلك هو الأجمات الموجودة في قربها ومنشؤها عارض لا أصلي وهو أن البحر كان ممتدا إلى القلعة السابق ذكرها ثم لما جزر عنها شيئا فشيئا أخذت تنسحب وراءه الرمال بكثرة تموجه ثم تراكمت بالقرب من ضفته فانسدت المجاري النافذة إليه وترقرقت المياه وراء ضفته في الأرض التي بقيت مسامتة له فإذا هطلت الأمطار في فصل الشتاء اجتمعت تلك المياه إلى ذلك الرقراق وصارت مستنقعا عظيما تتصاعد منه الأبخرة الفاسدة وتخلّ بمناخ البلدة.
وقد فتحت عدة منافذ وخنادق لجريان ماء هذا المستنقع إلى البحر فلم يحصل منها فائدة بسبب مسامتة أرضه سطح البحر كما ذكرنا. وكثيرا ما ينعكس البحر إلى تلك المجاري في أوقات هيجانه فيرجع ماؤه القهقرى ويضاف إلى تلك المياه ويزيد الضرر ويعظم الخطر.
ولما رأت الحكومة التركية أن لا سبيل إلى استئصال تلك الأجمات وإزالتها بالكلية إلا بتعبئتها وردمها بالتراب أصدرت بذلك أمرها سنة (١٣٠٥) رومية فأخذت حكومة إسكندرونة منذ تلك السنة تهتم بهذه المسألة وشرعت تستحضر من أوروبا الأوائل «١» اللازمة لحفر التراب ونقله، كالمساحي والعجلات. وباشرت ردم هاتيك الأجمات فأزالت منها مساحة عظيمة ولم تزل دائبة في العمل كما تمكنت منه حسب مساعدة الفصل. وقد اطلعت على دفتر مرسوم في بيان النفقات التي تصرف على ردم هذه الأجمات مقدرة تلك النفقات على سبيل الظن والتخمين فآثرت إيراده لعدم خلوه عن فائدة. وهذه صورته: