وخلاصة ما قاله فيها الفرنج أنها مدينة من مدن سوريا على (٣٦) درجة و (٤٨) ثانية من الطول الجنوبي على الضفة الجنوبية من نهر العاصي تبعد ٢٥ ميلا عن البحر من وادي النهر و (٥٥) ميلا عن حلب وهي في غربيها وأول من أسسها سلقوس نيكاتور الذي استولى على سوريا من بعد تقسيم مملكة المكدوني سنة (٣٠٠) قبل المسيح وكان ذلك في العصر الذي تسابق به الناس إلى بناء مدن جديدة على طرز مدينة الاسكندرية فاقتدى سلقوس بمعاصريه وعوضا عن أن يسكن في أنتيغوني عاصمته مزاحما أنتيغون الذي غلبه في إيبوس فقد اختار بقعة أخرى بقصد محو اسمه أو لأنه فضل هذه البقعة على أنتيغوني أو اتباعا لما حصل معه من الأوهام، فقد نقل عنه أنه بينما كان يقرب للتمثال جوبيتر سيرونيان قربانا انقضّ عليه نسر واختطف أحشاء القربان وطار بها إلى جبل سيليبوس الذي أمر سلقوس أن يبنى عليه حصن (وصورة هذا النسر مرسومة على بعض أوسمة أنطاكية) .
ثم بنى سلقوس بأسفله هذه المدينة الجديدة غير ممتدة لضفة النهر تماما خشية عليها من طغيانه وجعل مهندس العمل رجلا اسمه كسينوس وسماها أنطيوخية أو أنطاكية تشريفا لاسم أبيه أنطيوخوس.
وكان إقبال السكان عليها من مدينة أنتيغوني التي دمرها الحرب أو من بعض القرى التي على ضفة العاصي حيث كان الاسكندر شيد هيكلا للوثن جوبيتر بونيوس. وكان الغرباء القادمون إلى تلك المدينة حتى اليهود يعاملون أحسن معاملة والأغراب المكدونيون واليونانيون اختصوا منها بعدة محلات وكان إنشاء المدينة ابتداء على ثلاثة شوارع. ثم أخذت تعظم وتتزايد حتى فاقت جميع البلدان سوى رومة والقسطنطينية. وبلغت سكانها في عهد السلوقيين (٧٠٠) ألف نسمة وانتهت للغاية القصوى من الجمال وحسن الموقع وعظمة التاريخ وكثرة التماثيل والآثار وانفردت بغزارة المياه.
وأما سورها فهو مما تحيرت به العقول إذ كان من الصخر الذي له رؤوس. وهو حصن قوي متين مبني بحسب الهندسة الحربية بدور على ما هبط وما ارتفع من الجبل من أسفله إلى قمته. وهناك أي في قمة الجبل يتألف منه إكليل بديع الشكل غريب المنظر. ويقال إن هذه المدينة كانت في أقدم تاريخها تسمى إيبغانيه باسم إيبغان الذي حكمها منذ سنة ١٧٥ إلى سنة ١٦٤ ق. م وسميت أيضا أنطاكية العاصي لتميزها عن خمس عشرة مدينة من بناء سلوقوس نيكاتور كانت تسمى بأنطاكية.