إني لأرجو منك خيرا عاجلا ... والنفس مولعة بحب العاجل
فلما مثل بين يديه قال: اتق الله يا جرير ولا تقل إلا حقا فأنشأ يقول:
كم باليمامة من شعثاء أرملة ... ومن يتيم ضعيف الصوت والنظر
ممّن يعدّك تكفي فقد والده ... كالفرخ في العشّ لم ينهض ولم يطر
يدعوك دعوة ملهوف كأنّ به ... خبلا من الجن أو مسّا من البشر
خليفة الله ماذا تأمرنّ بنا ... لسنا إليكم ولا في دار منتظر
ما زات بعدك في همّ يؤرّقني ... قد طال في الحيّ إصعادي ومنحدري
لا ينفع الحاضر المجهود بادينا ... ولا يعود لنا باد على حضر
إنّا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا ... من الخليفة ما نرجو من المطر
أتى الخلافة أو كانت له قدرا ... كما أتى ربّه موسى على قدر
هذي الأرامل قد قضّيت حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر
قال: يا جرير والله لقد وليت هذا الأمر وما أملك إلا ثلاثمائة: فمائة أخذها عبد الله ومائة أخذتها أم عبد الله. يا غلام أعطه المائة الباقية. فقال والله يا أمير المؤمنين إنها لأحبّ مال كسبته إليّ. ثم خرج فقالوا له: ما وراءك قال: ما يسوءكم خرجت من عند أمير المؤمنين يعطي الفقراء ويمنع الشعراء وإني عنه لراض. ثم أنشأ يقول:
رأت رقى الشيطان لا تستفزّه «١» ... وقد كان شيطاني من الجن راقيا
وكان مولد عمر رضي الله عنه بحلوان لما كان أبوه واليا على مصر سنة (٦٠) وجده مروان بن الحكم. وكان عمر أبيض رقيق الوجه جيده نحيف الجسم حسن اللحية غائر العينين بجبهته أثر حافر دابة ولذلك سمي أشجّ بني أمية وخطه الشيب.
وكان قبل أن يلي الخلافة يبالغ في التنعم ويفرط في الاختيال في المشية وكان لعمر غلام يقال له درهم يحتطب له فقال له يوما ما يقول الناس يا درهم. قال: ما يقولون، الناس كلهم بخير وأنا وأنت بشرّ. قال وكيف ذلك قال عهدتك قبل الخلافة عطرا لباسا فاره