للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المركب طيب الطعام فلما وليت رجوت أن أستريح وأتخلص فزاد عملي شدة وصرت أنت في بلاء. قال: فأنت حر فاذهب عني ودعني وما أنا فيه حتى يجعل الله لي منه مخرجا.

قال أنس رضي الله عنه ما صليت خلف إمام أشبه برسول الله صلّى الله عليه وسلم من هذا الفتى عمر بن عبد العزيز. وسئل عنه محمد بن علي بن الحسين فقال: إنه نجيب بني أمية يبعث يوم القيامة أمة وحده. وقال بعض أهل العلم كانت العلماء معه تلامذة وقد عمل له ابن الجوزي سيرة في مجلد كبير بقي عند قبره زمنا طويلا. ولما مرض مرض وفاته قيل له لو تداويت. قال لو كان دوائي في مسح أذني ما مسحتها. نعم المذهوب إليه ربي.

وكان سائرا على سيرة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. وقد بلغ من الزهد والميل عن الدنيا مبلغهما وكان قبل خلافته إذا اشتري له ثوب بخمسمائة يستخشنه فلما صار خليفة اشتري له ثوب بثمانية فاستلانه. قال مسلمة ابن عبد الملك دخلت على عمر في مرض موته أعوده فإذا عليه قميص وسخ فقلت لامرأته فاطمة وكانت أخت مسلمة اغسلوا ثياب أمير المؤمنين فقالت نفعل ثم عدت فإذا القميص على حاله فقلت ألم آمركم أن تغسلوا قميصه.

فقالت والله ما له غيره.

قيل: وكانت نفقته كل يوم درهمين من ماله. ولما ولي الخلافة أتاه أصحاب مراكب الخلافة يطلبون علفها فأمر بها فبيعت وجعل ثمنها في بيت المال وقال تكفيني بغلتي. قالت فاطمة زوجته: دخلت عليه وهو في مصلاه ودموعه تجري على لحيته فقلت أحدث شيء فقال إني تقلدت أمر أمة محمد فتفكرت في الفقير الجائع والمريض الضائع والغازي والمظلوم المقهور والغريب الأسير والشيخ الكبير وذي العيال الكثيرة والمال القليل وأشباههم في أقطار الأرض فعلمت أن ربي سيسألني عنهم يوم القيامة وخصمي دونهم محمد صلّى الله عليه وسلم إلى الله فخشيت أن لا تثبت حجتي عند الخصومة فرحمت نفسي فبكيت. ولما رد إقطاعه الذي ورثه من آبائه لأربابه قيل له: فكيف تصنع بولدك. فجرت دموعه وقال: أكلهم إلى الله.

ومن العجيب أن ابنه عبد الملك بن عمر كان على سيرته في الزهد وجب العدل.

ولما مرض ابنه هذا مرض الموت دخل عليه أبوه عمر فقال له يا بني كيف تجدك. قال:

أجدني في الحق. قال: يا بني إن تكن في ميزاني أحب إلي أن أكون في ميزانك فقال له ابنه يا أباه لأن يكون ما تحب أحب إلي من أن يكون ما أحب. فمات في مرضه وله سبع

<<  <  ج: ص:  >  >>