حلب، لأنها أقرب المدن إلى دابق. فصحّ أن أهل حلب من خيار أهل الأرض، ولا شك في ذلك لأن حلب هي من الأرض المقدسة التي هي خيار أهل الأرض.
وعن كعب الأحبار قال: بارك الله في الشام من الفرات إلى العريش. وعن ابن شداد عن النبي صلّى الله عليه وسلم أن الرعد والبرق يهاجران إلى مهاجر إبراهيم عليه السلام، حتى لا يبقى قطرة إلا فيما بين العريش إلى الفرات. قال: وحلب واسطة عقد الشام وقلب صدوره والأعيان. وقال ابن الخطيب في الكلام على قناة حلب: كان جماعة من بني أمية اختاروا المقام بناحية حلب وآثروها على دمشق مع طيب دمشق وحسنها وكونها وطنهم، ولا يرغب الإنسان عن وطنه إلا إلى ما هو أفضل منه.
فمنهم هشام بن عبد الملك انتقل إلى الرصافة وسكنها واتخذها منزلا لصحة تربتها.
ومنهم عمر بن عبد العزيز أقام بخناصرة. ومنهم مسلمة بن عبد الملك سكن بالناعورة وابتنى بها قصرا بالحجر الصلد الأسود. وكان صالح بن علي بن عبد الله بن عباس قد ولي الشام جميعه فاختار أن يكون مقامه بحلب، وابتنى بظاهرها قصرا ببطياس «وهي شرقي حلب غربي النيرب وشمالها» . وولد له بها عامة أولاده. كل ذلك لما اختصت به هذه البلاد من الصحة والاعتدال والحصانة. قلت: بطياس كانت قرية على باب حلب بين النيرب وبابلي، وقد ذكرها البحتري وغيره بأشعاره. وقال أبو بكر الصنوبري يتشوق إليها وهو بالصالحية:
إني طربت إلى زيتون بطياس ... بالصالحية، بين الورد والآس
ثم قال ابن الخطيب: وهرقل على سعة ممالكه اختار الإقامة بأنطاكية ولما فتحت قنّسرين وسار نحو القسطنطينية التفت وقال: سلام عليك يا سوريا سلام لا اجتماع بعده. وكان سيف الدولة يفتخر بها فيقول: حلب معقلي وشاعري المتنبي. وكان سليمان بن حيدر يقول للسلطان صلاح الدين: حلب أمّ البلاد. هذا ما استدلّ به على فضل حلب وامتيازها عن غيرها. وأما ما مدحت به نظما ونثرا فهو كثير يعسر استقصاؤه، فمن ذلك ما نقل عن ابن شداد حيث قال:
إن حلب أعظم البلاد جمالا، وأفخرها زينة وجلالا، مشهورة الفخار، علية البناء والمنار، ظلها ضاف، وماؤها صاف، وسعدها واف، ووردها لغليل النفوس شاف،