وأنوارها مشرقة، وأزهارها مونقة، وأشجارها مثمرة مورقة، نشرها أضوع من نشر العبير، وبهجتها أبهج منظرا من الروض في الزمن النضير، خصبة الأوراق، جامعة من أشتات الفضائل ما يعجز عنه الآفاق، لم تزل منهلا لكل وارد، وملجأ لكل قاصد، يستظل بظلها العقاب، وإليها العفاة «١» من كل حدب تنساب، لم تر العين أجمل من بهائها، ولا أطيب من هوائها، ولا أظرف من أبنائها. قلت: قد مدحها جماعة من مشاهير الأدباء والفضلاء كالبحتري والمتنبي والصنوبري وكشاجم والمعرّي والخفاجي وابن حيّوس «٢» ، والوزير المغربي وابن العباس الصفري وأبي فراس، والحلوي وابن سعدان، وابن حرب الحلبي، وابن النحاس وابن أبي حصينة وابن أبي الحداد وابن العجمي والملك الناصر. فمما قاله البحتري وأجاد:
أقام كلّ ملثّ الودق رجّاس ... على ديار بعلو الشام أدراس
فيها لعلوة مصطاف ومرتبع ... من بانقوسا وبابلّى وبطياس
منازل أنكرتنا بعد معرفة ... وأوحشت من هوانا بعد إيناس
يا علو لو شئت أبدلت الصدود لنا ... وصلا ولان لصبّ قلبك القاسي
هل لي سبيل إلى الظّهران من حلب ... ونشوة بين ذاك الورد والآس؟
وله أيضا:
يا برق أسفر عن قويق ومل إلى ... حلب وأعلى القصر من بطياس
عن منبت الورد المعصفر صبغة ... في كل ضاحية ومجنى الآس
أرض إذا استوحشت ثم أتيتها ... حشدت عليّ وكثّرت أنفاسي
ولأبي العباس الصفري أحد شعراء سيف الدولة بن حمدان في بعاذين قوله:
يا لأيامنا بمرج بعاذين ... وقد أضحك الرّبى نواره
وحكى الوشي بل أبّر على ... الوشي بها منثوره وبهاره