سنة ٨٢٤ هـ وقعت الغربية وكان سقفها جملونا خشبا فعزم الأمير يشبك اليوسفي نائب حلب على عمارتها قبوا وشرع في ذلك ثم توفى فعمرت من مال الجامع وعقد سقفها قبوا وكان في صحن الجامع صهريج واسع عظيم جدا يحكى أن السبب في عمارته هو أنه كان بعض السلف من أهل حلب متوليا على أوقافه بحلب فأتاه انسان لا يعرفه فطرق عليه الباب ليلا ودفع له ألف دينار وقال له إصرفها في جهة بر، فأخذها وخطر له أن يصرفها في عمارة مصنع يخزن فيه الماء من القناة فإن منابع حلب مالحة وكان العدو يطرق مدينة حلب كثيرا فإذا قطع عنها ماء القناة تضرر أهلها فرأى أن يعمل مصنعا في صحن الجامع المذكور مدفونا تحت أرضه فشرع في ذلك وحفر حفيرة عظيمة واسعة واشترى الحجارة والكلس وعقد المصنع وفرغ الذهب المحمول إليه فضاق صدره واضطرب مدة في إتمام المشروع فطرق عليه الباب الطارق الأول ودفع له ألف دينار أخرى وقال له أتمم عملك فأخذها وأتم العمل وجاء المصنع واسعا متقنا بحيث كان يكفي السقائين والناس ولا يفرغ من الماء فجعل أهل حلب يطعنون على المتولي المذكور ويقولون إنه أضاع من مال الوقف جملة في عمارة مصنع فطلب منه الحاكم الحساب فرفعه إليه ولم يذكر فيه درهما واحدا في نفقات المصنع المذكور فسأله عن نفقة المصنع فأخبره بالقصة.
ويقال إن هذا المتولي هو ابن الأيسر ويحكى أن هذا المصنع وجد في حفرته تمثال أسد من حجر قد وضع مستقبلا بوجهه القبلة، قال ابن الخطيب:«وهذا المصنع اليوم مردوم» ، وفي سنة ٤٨٢ كان تأسيس منارة الجامع وعمرت على يد القاضي أبي الحسن محمد بن يحيى بن محمد الخشاب عوضا عن منارة كانت قبلها وكان بحلب معبد للنار قديم قد تحول إلى أن صار أتون حمام فأخذ القاضي حجارته لعمارة هذه المنارة فوشى به بعض حساده لأمير البلد قسيم الدولة فاستحضره وقال له قد هدمت معبدا هو ملكي فقال أيها الأمير كان معبدا للنار وقد صار معبدا يذكر عليه اسم الله تعالى وقد كتبت اسمك عليه وجعلت الثواب لك فإن رسمت أن أغرم ثمن الحجارة ويكون الثواب لي فعلت فأعجب الأمير كلامه واستصوب رأيه.
وقيل إن المنارة أسست في زمن سابق محمود بن صالح على يد القاضي المذكور والمعمار الذي بناها من سرمين وبلغ بأساسها إلى الماء وعقد حجارتها بكلاليب الحديد والرصاص وأتمها في أيام قسيم الدولة آق سنقر وطول هذه المنارة إلى الدرابزين بذراع اليد سبعة وتسعون