للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذلك بعده فتم النسخ بشرطهِ.

الحكم الخامس: الزنى يثبت بثلاثة أشياء. إعتراف، وشهادة، وحبل ظاهر لم يسبقه نكاح ولا سيادة، فأما الشهادة فقد استقرت (١) في كتاب الله وفي سُنّة رسوله، وأما الإقرار وهو الأصل في إثبات الحقوق، فإن العلماء اختلفوا هل للمقر بالزنا أن يرجعَ عن إقراره أم لا؟ فمنهم من قال إنه يرجعُ قال به الجمهور وهو إحدى الروايتين عن مالكٍ ومنهم من قال له أن يرجع إن ذكر وجهاً، وهي الرواية الثانية عنه ومنهم من قال لا يرجع. فأما من قال لا يقبل الرجوع فلأن الإنسان على نفسه بصيرة وهو أعلم، وأما من قال إنه يرجع إن ذكر وجهاً فلأن الحدَّ مما يسقط بالشبهة مع أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نبه عليها ماعزاً فقال: لعلك نظرتَ، لعلك قبَّلتَ، وأما قول من قال له أن يرجعَ مطلقاً فهو الحق وعليه تدل الأحاديث المذكورة آنفاً في ترديدِ النبي - صلى الله عليه وسلم - كل من أقرَّ بالزنا وتنبيهه له على الرجوع، وكذلك ينبغي أن يفعلَ كل حاكم، فلا قدوة أعظم من محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، ولا أسوة فوقه، وقال أبو حنيفة: لا يثبت الزنى بالإقرار حتى يكونَ أربع مراتٍ في أربع مجالس (٢)، واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم ردَّ ماعزاً أربع مرات، قلنا: لم يرده ليثبت بالإقرار إنما ردَّهُ رجاء الرجوع. ألَا ترى إنه لم يردد الغامدية ولا سواها ولا يجوز أن يحمل على الشهادة, لأن الشهادة فرع والإقرار أصل، ولا يجوز أن يحمل الأصل على الفرع، وأما الحمل إذا ظهر ولم يسبقه سبب جائز، فإنه يعلمُ قطعاً أنهُ من حرامٍ فتثبت المقدمة بالنتيجة وهو استدلال معلوم من طريق العادة يسمى قياس الدلالةِ، كدلالة الدخان على النار إلَّا أن تدعي أنها استكرهت، وتأتي على ذلك ببينةٍ أو بأمارة مثل أن تأتي دامية وهي بكر أو استغاثت أو أغيثت على تلك الحال، فإن لم تأت بشيء من ذلك ثبت الحد إن لم يكن يعارضه ما يسقطه. وقال الشافعي لا يقبلُ ذلك منها وهو قول باطل, لأنه لا يمكن إن غلبت أن تفعل أكثر مما فعلت ولا يكلف الله نفساً إلَّا وسعها.

الحكم السادس: إذا سمع الإقرار فلا بد بعده من الاختبار كما فعلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ قال: أبِهِ جنة؟ فقالوا: لا. وبهذا يتبين أنَّ قول المجنون هدر، ويعضد هذا بصحته حديث علي الضعيف: رُفعَ القلم عن ثلاث. فذكر المجنون (٣)، وكذلك أيضاً الذي


(١) في ك وم وج استقر أمرها.
(٢) انظر اللباب في شرح الكتاب ٣/ ١٨٢.
(٣) علقه البخاري في الطلاق باب الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون ٧/ ٥٩ قال: وقال علي ألم تعلم=

<<  <   >  >>