للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحدِ بعد أن كرر الرد، والحد لا يكون إلَّا بعشرة أوصاف: وطء محرم محض، من حُرٍّ بالغٍ عاقلٍ، في فرجٍ مشتهى طيعاً، وقع من مسلم محضٍ. فبهذه الشروط يجبُ الرجم وبها يجب الحد الذي هو الجلد ما عدا الإحصان، فأما قولنا وطء، فلسؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - وإجماع الأمة عليه. وأما قولنا محرم فليقع معصية تليق بهذه العقوبة، وأما قولنا محض فلتنتفي الشُّبهَة التي تسقط الحد، وأما قولنا من حرٍ فلأن الإحصانَ معدوم معه قرآنًا منصوص عليه فيه وأما قولنا بالغ فلأن الصبي ساقط الاعتبار إجماعاً. قال علماؤنا لأن إيلاجه صورة وطء لا معنى لها وأما العقل فقد تقدم الكلام فيهِ وأما قولنا في الفرج فلاتفاق الأمة عليه، ولأنه قد ذكر في الحديث: أغابَ ذلك منك في ذلك منها كما يغيبُ المرود في المكحلةِ. وفي حديث اليهود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: (إأتوني بأعلم من فيكم)، فجاؤوه بابن صوريا فناشدهم هل الرجمُ في التوراة فقالوا نعم إذا شهدَ أربعة أنَّ ذلكَ منه قد غاب في ذلك منها كما يغيب المرود في المكحلة، فأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بالشهود فجاءوا فشهدوا بذلك، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بهما فرجما. وأما قوله مشتهى طبعاً فبَيان لسقوط الحد عن وطء البهيمةِ إذ روى النسائي وأبو داود وغيرهما أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال من وجدتموه قد وقعَ على بهيمة فاقتلوهُ واقتلوا البهيمة (١)، وتعلق به أحمد بن حنبل وهو حديث ضعيف لم يصح، وقد بيناه في


(١) أبو داود (٤٤٦٤) والترمذي (١٤٥٥) وأحمد في المسند (٢٤٢٠) والحاكم ٤/ ٣٥٥ - ٣٥٦ والبيهقي ٨/ ٢٣٣ - ٢٣٤ من طريق عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة).
زاد أبو داود والترمذي فقيل لابن عباس ما شأن البهيمة فقال ما سمعت من رسول الله في ذلك شيئًا ولكن أرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كره أن يوكل لحمها أو ينتفع بها وقد عمل بها ذلك. قال الترمذي هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وروى سفيان الثوري عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس أنه قال من أتى بهيمة فلا حد عليه حدثنا بذلك محمَّد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان الثوري وهذا أصح من الحديث الأول وكذا صنع أبو داود وروى أثر ابن عباس الموقوف هذا من طريق شريك وأبي الأحوص وأبي بكر بن عياض عن عاصم ثم قال حديث عاصم يضعف حديث عمرو بن أبي عمرو. وأراد الترمذي وأبو داود تعليل رواية عمرو بن أبي عمرو برواية عاصم الموقوفة.
ورد البيهقي عليهما في سننه ٨/ ٢٣٤ فقال وقد رويناه من أوجه عن عكرمة ولا أرى عمرو بن أبي عمرو يقصر عن عاصم بن بهدلة في الحفظ كيف وقد تابعه على روايته جماعة وعكرمة عند أكثر الأئمة من الثقات الأثبات. اهـ من تعليق أحمد شاكر على المسند ٤/ ١٣٧.
درجة الحديث صححه الشيخ أحمد شاكر والشيخ ناصر في الإرواه ٨/ ١٣.

<<  <   >  >>