للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فشح بأكلها (١).

قال القاضي (٢) رضي الله عنه أما الحسد فكبيرة من أعمال القلوب متفق على تحريمها في الملك من لدن شريعة آدم إلى محمَّد - صلى الله عليه وسلم - وحقيقته تمني عين المعجب ما عند الغير وإرادة انتقاله منه إليه (٣) فإن أردت وجود مثله عندك كان عند علمائنا غبطة وحقيقة ذلك أن الحسد يطلق على الوجهين والغبطة مخصوص بالثاني، وعلى هذا يخرج قوله - صلى الله عليه وسلم - (لا حسد إلَّا في اثنتين (٤)) الحديث وقد أحكمنا القول عليه في صريح الصحيح وأما الكبر فهو رؤية الفضل للنفس على الغير وتختلف درجاته ما بين طاعة وكفر ومعصية وعلى هذا يخرج قوله (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبَّة من كبر (٥)) فعبر عن أحد أقسامه الثلاثة وهو الكبر وبه كان إبليس كافراً لأنه حمله حسده لآدم على أن يعترض على أمر الباري سبحانه ويسفهه فكان كافراً بذلك وأما الشح فاتفق علماؤنا على أن البخل منع الواجب وعلى أن الشح منع المستحب (٦) واستدلوا على ذلك بقوله {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٧)} الآية.

ورأيت بعض العلماء بأنه يجعله من الألفاظ المشتركة.

وقد بيّنا ذلك في تفسير قوله - صلى الله عليه وسلم - (مثل البخيل والمتصدق) (٨) فليطلب هنالك والذي


(١) ذكره القرطبي فقال روى ابن القاسم عن مالك أنه قال بلغني أن أول معصية كانت الحسد والكبر حسد إبليس آدم وشح آدم في أكله من الشجرة. تفسير القرطبي ١/ ٢٩٦.
(٢) في ك زيادة قال أبو بكر.
(٣) الحسد تمنى زوال نعمة المحسود إلى الحاسد. التعريفات للجرجاني ٨٧.
(٤) متفق عليه أخرجه البخاري في فضائل القرآن باب اغتباط صاحب القرآن ٦/ ٢٣٦ ومسلم في صلاة المسافرين باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه ١/ ٥٥٨ من حديث سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول (لا حسد إلا في اثنتين رجل أتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار).
(٥) مسلم في كتاب الايمان باب تحريم الكبر وبيانه ١/ ٩٣ من حديث عبدالله بن مسعود.
(٦) قال القرطبي الشح والبخل سواء يقال شحيح بين الشح والشح والشحاحة .. وجعل بعض أهل اللغة الشيخ أشد من البخل وفي الصحاح الشح مع حرص .. والمراد بالآية "أي الآتية" الشح بالزكاة وما ليس بفرض من صلة ذوي الارحام الضيافة وما شاكل ذلك فليس بشحيح ولا بخيل من أنفق من ذلك وإن أمسك عن نفسه ومن وسع على نفسه ولم ينفق فيما ذكرناه من الزكوات والطاعات فلم يوق شح نفسه. تفسير القرطبي ١٨/ ٢٩ وانظر أحكام القرآن للشارح ١٧٧٧.
(٧) سورة الحشر آية "٩".
(٨) متفق عليه أخرجه البخاري في الزكاة باب مثل المتصدق والبخيل ٢/ ١٤٢ - ١٤٣ ومسلم في الزكاة باب مثل المنفق والبخيل (١٠٢١) والنسائي ٥/ ٧٠ - ٧١ وشرح السنة ٦/ ١٥٨ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <   >  >>