للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بكر بن أبي أويس سمعت مالكاً يقول إذا منَّ قطع الأجر قال القاضي ابن العربي رضي الله عنه هذه الآية من شبه الاحباطية والقول بالإحباط محبط حسب ما بيناه في كتب الأصول وبيناه في المشكلين لأنه لم تبق آية ولا حديث يتعلق به إلَّا جمع هنالك فيضرب بعضها ببعض حتى يتعين الحق فمعنى قوله عَزَّ وَجَلَّ {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} يعني عند الموازنة في رأي المحققين من علمائنا لأن الصدقة حسنة والمن والأذى سيئة فربما ثقل ميزان السيئة بتكريرها أو بما شاء الله من شأنها فيبطل معنى الصدقة في ذلك الحال والابطال على وجهين عام وخاص حسب ما بيناه هنالك وهذا (١) الذي أشار إليه مالك وجه مليح وذلك أن ثواب الصدقة يجري للمتصدق دائماً فإذا منَّ انقطع الأجر من ذلك اليوم وهو يرجع إلى الأول مع المخالفين ولكنها مقدمة شريفة (٢) فليرجع إليها. قوله عز وجل: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ} (٣) قال ابن القاسم سمعت مالكاً يقول قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} يعني التفكر في أمر الله عَزَّ وَجَلَّ والاتباع له وقال ابن وهب سمعته يقول هو الفقه في دين الله تعالى والعمل به قال مالك ومما يبين لك ذلك أن الرجل قد يكون بصيراً بدنياه وآخر لا بصر له بدنياه وهو عارف بأمر الله تعالى وقد قال الله عَزَّ وَجَلَّ في يحيى {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} (٤) يعني العلم والعمل قال القاضي ابن العربي رضي الله عنه اختلف قول مالك لأصحابه لفظًا واتفق معنى على طريق العلماء في ضبط المعاني وإهمال الألفاظ فرد على السائلين (٥) في الأجوبة بحسب الحاضر في الخاطر من تلك المعاني المنفردة أو بحسب السائل إن كان يحتمل جميعها أو بعضها وبناء ح ك م في اللغة العربية كيفما تصرف يرجع إلى الضبط والمنع وقد قررنا في ذلك بدائع في اسم (٦) الحكيم فليطلب هنالك وأول الحكمة العلم وأول العلم معرفة الانسان بنفسه فمن عرف نفسه عرف ربه وآخر الحكمة العمل فإذا اجتمعا كان صاحبهما حكيماً وإن افترقا كان ذلك الاسم ثابتًا له من وجه


(١) في ك وهو
(٢) في ج شرحت.
(٣) سورة البقرة آية (٢٦٩).
(٤) سورة مريم آية (١٢)
(٥) في ج السائل.
(٦) في ج اسمه.

<<  <   >  >>