للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المتفرقة وإعادة أوصافهم المعروفة وتأليف الأرواح مع الأجساد كما كانت قبل الميعاد فما أطلع الله عليها أحدًا ولا يلزم أن يكون معتقداً بل قال بعض المحررين إن الأصلح في الحكمة أن يخفى عن الخليقة.

أما إن الخليل لما رفعت درجته وقربت منزلته واطلع على ملكوت السموات والأرض قال بحكم الإذلال {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} فوفى الله منزلته حقها وعاد عليه بفضل الإجابة فأراه من كيفية جمع الأجزاء المتفرقة عياناً ما كان شك فيه قبل ذلك زماناً وكل أحد إلى يوم القيامة من المؤمنين الموقنين عالم بالاعادة شاك في الكيفية وأما قوله (يرحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد) (١) فإن لوطاً سأل الله تعالى على ما علم من عادته وسننه في ربط الأسباب بالمسببات وهو مقام توحيد عظيم فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - من لوط أن يقوم في مقام أشرف منه وهو التعلق بالقدرة إذا رأى الغلبة كما فعل - صلى الله عليه وسلم - يوم الطائف حين ضاقت عليه الأرض بما رحبت فقال (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي- الحديث إلى قوله- ولا حول ولا قوة إلَّا بالله العلي. العظيم) (٢).

وقال في يوسف متعجباً من صبره على بلاءً السجن واستدامته لذلك البلاء بعد أن أمر بالخروج فرأى له في ذلك منزلة لم يرها لنفسه - صلى الله عليه وسلم - فلم يسلم للوط - صلى الله عليه وسلم - حاله وأقر على نفسه الكريمة بشغوف (٣) يوسف في بقائه في السجن بعد الدعاء إلي الخروج (٤) منه وقد أتقنا بيان


(١) أي إلى الله تعالى يشير - صلى الله عليه وسلم - إلى قوله تعالى: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} ويقال إن قوم لوط لم يكن فيهم أحد يجتمع معه في نسبه لأنهم من سدوم بالشام وكان أصل إبراهيم ولوط من العراق فلما هاجر إبراهيم إلى الشام هاجر معه لوط فبعث الله لوطاً إلى أهل سدوم فقال لو أن لي منعة وأقارب وعشيرة لكنت استنصرت بهم عليكم ليدفعوا عن ضيفاني. فتح الباري ٦/ ٤١٥.
(٢) أورده الهيثمي في مجمع الزوائد ٦/ ٣٥ وعزاه للطبراني وقال وفيه ابن إسحاق وهو مدلس ثقة وبقية رجاله ثقات وأورده الشيخ ناصر في ضعيف الجامع الصغير ١/ ٣٥٨ وضعفه والحديث من رواية عبد الله بن جعفر قال لما توفي أبو طالب خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف ماشياً على قدميه يدعوهم إلى الإِسلام فلم يجيبوه فانصرف فأتى ظل شجرة فصلى ركعتين ثم قال (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتى وهواني على الناس ...) والحديث ضعيف.
(٣) قال ابن منظور شغفه الحب يشغفه شَغْفًا وشَغَفًا وصل إلى شغاف قلبه وقرأ ابن عباس {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} قال دخل حبه تحت الشغاف وقيل غشي الحب قلبها وقيل أصاب شغافها قال أبو بكر شغاف القلب وشغفه غلافه. لسان العرب ٩/ ١٧٩.
(٤) قال الحافظ قوله (ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي) أي لأسرعت الإجابة إلى الخروج من السجن ولما قدمت طلب البراءة فوصفه بشدة الصبر حيث لم يبادر بالخروج وإنما قاله - صلى الله عليه وسلم - تواضعًا

<<  <   >  >>