للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقال مَضوا واستودعوني بلادهم ... ومن ذا الذي يبقى على الحدثانِ (١)

فأخبرَ عن جبله بمثل ما أخبر عن نفسه أما قرنه بها وقيلَ عبَّر بلسانِ الحال عن لسانِ المقالِ، كما تقدم في كتاب الصلاة، ومن فضل المدينة تطهيرُها عن الوباءِ ونقله إلى الحجفة، إما لأنها كانت منزلاً لليهودِ أو للمشركين حتى إنه ليقال إنّ ماءها الذي يسمى خمَّ وبى من شربَ منه حُمّ (٢)، ومن فضلها عصمتها عن الوباء وعصمتها من الدجال (٣)، ومن فضلها خروج من لا خير فيهِ منها، ومن فضلها أن ظالماً لا يدخلها، ويدخُل مكة وينقضها (٤) ومن فضلها أنها اشتملت على خيرِ خلق الله، ومن فضلها أن فيها روضةً من رياضِ (٥) الجنة. فإن قيل فقد روى عبد الله ابن عدي بن الخيار، أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقفَ على الحزورة (٦) وقال (والله إنك لخيرِ بلاد الله وأحب بلاد الله إلى الله) (٧) وهو حديث صحيح. قلنا قد قدمنا من الأدلةِ ما هو أقوى من هذا في تفضيل المدينة على مكة، فأما هذا الحديث فمعناه إنك لخيرِ بلاد الله بعدَ المدينةِ (٨). كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ قيل له يا خير


(١) الأبيات لمجنون ليلى انظر الأمالي ١/ ٢٠٧ و٢٠٨ ط دار الكتاب العربي.
(٢) قال ابن الأثير أحمت الأرض أي صارت ذات حمى. النهاية ١/ ٤٤٦.
(٣) متفق عليه البخاري في فضائل المدينة باب لا يدخل الدجال المدينة ٤/ ٨٢ ومسلم رقم (١٣٧٩ و١٣٨٠) في الحج والموطأ ٢/ ٨٩٢ والترمذي رقم (٢٢٤٤) من حديث أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (على أعتاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال) لفظ الموطأ.
(٤) متفق عليه أخرجه البخاري في الحج باب قول الله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ} ٢/ ١٨٢ ومسلم في الفتن باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء رقم (٢٩٠٩) والنسائي ٥/ ٢١٦ من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يخرب الكعبة ذو السويقين من الحبشة) لفظ البخاري.
(٥) يشير رحمه الله إلى ما رواه أبو هريرة أو أبو سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضى) الموطأ ١/ ١٩٧ والبخاري في التطوع باب فضل ما بين القبر والمنبر ٢/ ٧٧ ومسلم في الحج (١٣٩١).
(٦) هو موضع عند باب الحناطين وهو بوزن قَوْرَة قال الشافعي الناس يشددون الحزورة والحديبة وهما مخفقتان. النهاية ١/ ٣٨٠.
(٧) رواه الترمذي (٣٩٢٥) وقال حسن غريب صحيح وابن ماجه رقم (٣١٠٨).
(٨) لقد حاول القاضي رحمه الله أن يرجح مذهب مالك في هذه المسألة والمسألة خلافية بين العلماء وقال النووي أثناء الكلام على حديث (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) اختلف العلماء في المراد بهذا الاستثناء على حسب اختلافهم في مكة والمدينة أيهما أفضل ومذهب الشافعي وجماهير العلماء أن مكة أفضل من المدينة وأن مسجد مكة أفضل من مسجد المدينة وعكسه مالك وطائفة فعند الشافعي والجمهور معناه إلّا المسجد الحرام فإن الصلاة أفضل فيه من الصلاة في مسجدي وعن مالك وموافقيه إلّا =

<<  <   >  >>