للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (١) قال الزبير بن العوَّام: (ما كنا نرى أن أحدًا منّا يقعُ فيها فإذا نحنُ الذين أُصِبنا بها) (٢)، وقال ابنُ عباس: (هذه الآية في أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم - خاصَّة) (٣) وخطبَ أبو بكر الصديق الناس فقال: "يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتتأوّلونها على غير تأويلها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} وإن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده" (٤). وروت عائشة رضي الله عنها في حديث الجيش الذي يخسف به في البيداء، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يعمهم العقاب ثم يحشر كل أحد على نيته) (٥) وبين ظاهر الأحاديث تعارض والذي يضم نشره أن الأدلة القاطعة قد قامت على أن أحدًا لا يعاقب بذنب أحدٍ لا على العموم ولا على الخصوص، ولكن من ذنوب العامة والخاصة: التواطوء بالباطل وترك التناهي عن المنكر وهو الذي عاب الله تعالى على قوم لوطٍ وهو الذي أنكر على بني إسرائيل في قوله تعالى: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} (٦) وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض العالمين وخلافة المرسلين ومصلحة الخلق أجمعين وآكد فروض الدين، فإذا ترك عُوْجل الناس بالعقوبة، وقوله {وَاتَّقُوا فِتْنَةً} الآية، آية مشكلة, لأنّ قوله {إتَّقُوا} أمر، وقوله {لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ} نهي، بدليل دخول النون الثقيلة في فعله فيبقى الأمر بلا جواب، وقد اختلف الناس فيها اختلافًا متباينًا على أقوالٍ:


(١) سورة الأنفال آية (٢٥).
(٢) عن مطرف قال: قلنا للزبير: يا أبا عبد الله ما جاء بكم ضيعتم الخليفة حتى قتل ثم جئتم تطلبون بدمه؟، فقال الزبير: إنا قرأناها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان ... لم نكن نحسب أنا أهلها حتى وقعت فينا حيث وقعت رواه أحمد بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح. مجمع الزوائد ٧/ ٢٧ وانظر الفتح الرباني ١٨/ ١٥١، وأورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للإمام أحمد ثم قال: وقد رواه البزار من حديث مطرف عن الزبير وقال: لا نعرف مطرفاً روى عن الزبير غير هذا الحديث. تفسير ابن كثير ٢/ ٢٩٩ ورواه ابن جرير من الطريق الثانية منه من طريق الحسن ١٣/ ٤٧٤.
(٣) أورده ابن كثير في تفسره ٢/ ٢٠٠ وقال: هذا تفسير حسن وكذلك ابن جرير ١٣/ ٤٧٤، والقرطبي ٧/ ٣٩١.
(٤) رواه أحمد ١/ ٢ و ٥/ ٧ وأبو داود (٤٣٣٨) في الملاحم والترمذي (٢١٦٨) في الفتن وفي (٣٠٥٧) في تفسير سورة المائدة وابن ماجه (٤٠٠٥)، وصححه ابن حبّان (١٨٣٧)، وهو في شرح السنة ١٤/ ٣٤٤، والحديث قال فيه الترمذي حسن صحيح وصححه الشيخ ناصر في صحيح ابن ماجه ٢/ ٣٦٨.
(٥) متفق عليه أخرجه البخاري في الحج باب ما ذكر في الأسواق ٣/ ٨٦ ومسلم في الفتن باب الخسف بالجيش الذي يؤم البيت (٢٨٨٤).
(٦) سورة المائدة آية (٧٩).

<<  <   >  >>