للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأول: أن منهم من قرأها {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} وقرأت {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَتُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} كذلك قرأها أبيّ وعبد الله بن مسعود ما منكم من أحد إلَّا وله فتنة في أهله ومالِهِ، وكان ابن عباس يخالفه ويقول: هي في أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، والصحيح أنها عامة في كل أحد وأن المراد بها غير فتنةِ الأهل والمال والدليل عليه حديث حذيفة الصحيح حين سأله عمر رضي الله عنهما عن الفتنة فقال له: فتنة الرجل في أهله وماله تكفرها الصلاة والصدقة والصوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال: ليس عن هذا أسألك! فقال: أتسالني عن التي تموج كما يموج البحر؟! إن بينك وبينها بابًا مغلقًا (١)، الحديث. فليس في قول ابن مسعودٍ في ذلك وجه، وأما إعراب الآية فقال بعضُهم إنه نهي بعد أمرٍ، كل واحدٍ منهما مستقل بنفسه، كما تقول قم لا تتكلم. وهذا لا يصحُّ لأنه قال {وَاتَّقُوا فِتْنَةً}، وليس هذا الكلام بمفيد حتى يتركب عليه الجواب، وقال الطبري: إعرابها اتقوا فتنةً إن لم تتقوها أصَابتكم وهذا التقدير لا يخلصه في الكلام لأنه يقال له إن كان الجواب في قوله لا تصيب فمجازه لا تصيبُ الذين ظلموا منكم خاصة وقال شيخنا أبو عبد الله النحوي: قال بعض البصريين: هو نهي فيه معنى جواب الأمر كما تقول: انزل عن الدابة لا تطرحك ويجوز لا تطرحنَّك وقد جاء مثله في القرآن في آية أخرى، قال الله تعالى: {ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ} (٢) فهذه أختها، وقال النقاش: هو نهى عن السبب، كما يقول الرجل للرجل لا تقطع يدك ولا تضرب ظهرك، أي لا تأتي بسببٍ يؤدي بك إلى ذلك، وهذه الأقوال كما تراها (٣) متعارضة ومنها مغمغم (٤) ومنها قاصر غير مسبوق الغرض، والعبارة الحلوة في ذلك أن يقال لوجهين. أولاهم: أن النهي يكونُ جوابُ الأمر. والثاني: أن يقال إن النون الثقيلة تدخل في النهي كما تدخل في الخبر، فأي هاتين العبارتين كان أحرى في أصول


(١) وراه مسلم في كتاب الإيمان باب بيان أن الإِسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا من حديث ربعي عن حذيفة قال: كنا عند عمر فقال: أيكم سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه، فقال: لعلكم تحنون فتنة الرجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل، قال: تلك تكفرها الصلاة والصدقة والصيام والزكاة ... مسلم حديث (١٤٤) وشرح السنة ١٥/ ٧.
(٢) سورة النمل آية (١٨).
(٣) في م زيادة كلها.
(٤) الغمغمة والتغمغم الكلام الذي لا يبين وقيل هما أصوات الثيران عند الذعر وأصوات الأبطال في الوغى عند القتال. لسان العرب ١٢/ ٤٤٤.

<<  <   >  >>