للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يدخل في الأمر يبقي (١) العموم سليمًا لم يتطرق إليه تخصيص، ولذلك احتجت فاطمة على أبي بكرٍ يالقياس كما سبقَ وروي أنها قالت له: أليسَ الله يقولُ كذا؟ فاحتجت بالقرآن. فقال العلماء: بقيت نفقة نساء النبي- صلى الله عليه وسلم - في ذلك المال لبقاء الزَّوجية، ومن جعل التحريم لأجل الإذاية جعل النفقة كسائر نفقات النساء مأخوذة من بيتِ المال لهن والصحيح هو الأول، فإن قيلَ، فقد قال الله تعالى مخبرًا عن العبدِ الصالح: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} (٢) وقد صَرَّح النبي- صلى الله عليه وسلم - بالإرثِ في هذه الآية. قلنا: أراد وراثة النبوّة ليبقى الأجر ويدومُ العمل الصالح، فإن العبدَ إذا مات انقطعَ عمله إلا من ثلاث ولدٌ صالح يدعُو له (٣)، الحديث. والدليل على أنه أراد شرف المرتبة لا ملك المنفعةِ قوله {وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} (٤) وليس الموروث من الآل المال، وإنما الموروث منهم الشرف، وكانت الحكمة من تبويب مالك رضي الله عنه على تركة النبي - صلى الله عليه وسلم - (٥) أن أخماسه وصفاياه بخيبر وفدك، كان عمر رضي الله عنه قد أعطاها لعلي والعباس رضي الله عنهما بحضرة أهل الشورى كما ثبتَ في الصحيح ليسيروا فيها بسيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا على الملك لهم، فلم تزل في يد العلوية لم يأخذها من أيديهم من عادهم من الخلفاء، فخشي مالك رضي الله عنه أن يُتوهم على مر الأيام أنها بأيديهم ملكًا، فأراد أن يبين أنها بأيديهم أمانةً، وعوَّل على الحديث الطويل في تخاصمِ العبَّاس وعلي عند عمر رضي الله عنهما بحضرة أهل الشورى، وما جرى بينهم من القضاء، وما استقر عليه الأمرُ في ذلك اليوم وبَعده. ونصّه: قال مالك بن أوس بن الحدثان، بينا أنا جالس في أهلي حينَ طلع النهار، إذا رسُول عمر رضي الله عنه يأتيني، فقال أجب أمير المؤمنين، فانطلقتُ معه حتى أدخل على عمر فإذا هو جالس على رمال سرير ليس بينه وبينه فراش متكئ على وسادة من أدمٍ، فسلمت عليه ثم جلستُ، فقال: يا مالُ (٦) إنه قد قدم علينا من قومك أهل أبيات وقد أمرتُ برضخ فاقبضه فاقسمه بينهم، قلتُ: يا أميرَ المؤمنين لو أمرت غيري. قال: اقبضه أيها المرء. فبينما أنا جالس عنده إذ


(١) في ج فيبقى.
(٢) سورة مريم آية (٥ و ٦).
(٣) رواه مسلم في كتاب الوصية باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته حديث (١٦٣١)، والبغوي في شرح السنة ١/ ٣٠٠ من حديث أبي هريرة.
(٤) سورة مريم آية (٦)
(٥) الموطأ ٢/ ٩٩٣.
(٦) كذا في جميع النسخ يا مال وهو ترخيم.

<<  <   >  >>