للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقول العرب بخٍ بخٍ كنايةً عن تشريف الأمر والرغبة فيه كما تقدَّم في الحديث، كما أن قولَهم كَخٍ كَخٍ كلمةٍ تقولها العربُ عند تحقير الشيء والنفرة (١) عنهُ، كما قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لولدهِ حين رأي تمرة الصدقة في فيهِ: (كخٍ كخٍ) (٢)، وكذلك رابح معناه وجوب الزيادة فيه، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (رايح) بالياء، معنَاهُ دوام المثوبة عليه.

الثالث: حال المعطي: كقولهِ - صلى الله عليه وسلم -: (أعطوا السائل ولو جاءَ على فرسٍ) (٣) فإن للسائل حقاً لا يؤديه إلا الإجابة، ولذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يُسألُ قط شيئاً إلا أعطاه لئلا يبقى عليه درك، ولكن إذا صدق السائل فإنه مع الصدق تحلُّ له المسألةِ الكثيرة والقليلةُ وما يحتاج إليه وما لا يحتاج إليه، وما رأيت أصدق من السؤال ببغداد. رأيتُهم بجامعِ الخليفةِ، يقول قائلهم: أيها الناس ارحموني أخوكم لا يأتي الجمعة إلا في ثياب المهنةِ، ولا يقدرُ على إقامةِ ما يجبُ لها من السَّنية، فشاهَدتهم يخلعونَ عليه ثياب الجمعة ويروح بها في الثانية، وشاهدتُ سائلهم يقول: أيها الناس ارحموني اشتهيت حذاية (٤) وما أكلتها منذ عامٍ والقدر منها بدينارٍ (٥)، فرأيتُهم يتصدقون عليه بدينارٍ، وهكذا في كل ما يطلبون، فإن كذب السائلُ حَرُمَ عليه ما يأخذ، ووجب عليه رده، روي أن عمرَ رضي الله عنه مر بسائِل على عنقه مخلاة مملوءة كسراً وتمراً، فخفقَهُ بالدرة وأمر بها ففرغت بين يدي نعم


= مالاً من نخل وكان أحب إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس: فلما نزلت الآية {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} قام أبو طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وإن أحب أموالي إلىّ بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها .. الموطأ ٢/ ٩٩٥، والبخاري في الزكاة باب الزكاة على الأقارب ٢/ ١٤٨، ومسلم في الزكاة باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين (٩٩٨)، من حديث أنس.
(١) كخ كخ هو زجر للصبي وردع ويقال عند التقذر أيضاً. النهاية ٤/ ١٥٤.
(٢) متفق عليه أخرجه البخاري في الزكاة باب ما يذكر في الصدقة للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -٢/ ١٥٧، ومسلم (١٠٦٩) في الزكاة باب تحريم الزكاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله من حديث أبي هريرة.
(٣) مالك عن زيد بن أسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أعطوا السائل وإن جاء على فرس)، الموطأ ٢/ ٩٩٦ قال ابن عبد البر: لا أعلم في إرسال هذا الحديث خلافاً عن مالك وليس فيه مسند يحتج به فيما أعلم. الزرقاني ٤/ ٤٢٠، ورواه ابن عدي في الكامل (١٨٧٨) من حديث أبي هريرة وقال: لا أعلم يرويه عن زيد غير عاصم وهو ابن سليمان الكوزي وضعفه الشيخ ناصر في ضعيف الجامع الصغير ١/ ٣٠٠.
(٤) قال الجوهري الحذاية بالكسر القطعة من اللحم قطعت طولاً. صحاح الجوهري ٦/ ٢٣١٠. وانظر ترتيب القاموس ١/ ٦٠٩.
(٥) في ج والقدر المتقن منها يقوم بمثقال.

<<  <   >  >>