للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أهل القرية، ولو اتفقت القرية على ترك الأذان قوتلوا وقد وقع لمالك، رضي الله عنه، لفظة تدل على لزومه لكل جماعة وهي قوله في الموطأ: (وَإِنَّمَا يَجِبُ النِّدَاءُ في مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ) (١) ولكن الذي تنخل (٢) عند علمائنا أن الأذان فرض في القرية في الجملة، متأكد في كل جماعة، مستحب للواحد لحديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه: "إِذَا كُنْتَ في غَنَمِكَ أَوْ في بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بالصلاة فَارْفعْ صَوْتَكَ فَإِنَّه لَا يَسْمع مَدَى صَوْتِ الْمؤَذِّنِ. الحديث ... إلى قوله: يَوْمَ القِيَامَةِ" (٣) فإن قيل فهل تعقل الجمادات حتى تعلم أو تسمع حتى تشهد فبينوا لنا هذا الإشكال.

الجواب: إنا نقول مما يجب أن تعلموه من أصول الدين وتفهموه من الفرق بين كفرة الأطباء والمؤمنين أن الكلام ليس بالهيئة، ولا العلم موقوف على البينة، ولا هو مرتبط بالرطوبة والبلّة وإنما الباري تعالى يخلقه متى شاء، في أي شيء شاء من جماد أو حيوان. ألا ترى المرء في حالة نومه لا يعلم ولا يتكلم حتى يهبه الله تعالى بإذنه ويخلق له ما شاء من علمه، أو لا ترى الطفل على الحالة التي أخبر الله تعالى عنهم (٤) في قوله: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} (٥).

كيف يعلّمه الثدي، ويخلق له العلم بالقبض على حلمته، ويخلق له العلم بالعض عليه لمصه ويلهمه إلى ازدراده، ويعرفه بقدر الحاجة منه حتى إذا انتهى إليها أخرج الثدي عن فمه. فالذي يخلق هذه العلوم كلها للولد يخلق ما شاء منها للجماد (٦)، وقد قال


= أذاناً كفّ عنهم، وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم .. البخاري في كتاب الأذان باب ما يحقن بالأذان من الدماء ١/ ١٥٨.
ومسلم في كتاب الصلاة باب الإِمساك عن الإِغارة على قوم في دار الكفر إذا سمع فيهم الأذان ١/ ٢٨٨.
(١) الموطأ ١/ ٧١.
(٢) قال في القاموس: نخله وتنخله وانتخله: صفاه واختاره.
ترتيب القاموس ص ٥٩٧.
(٣) أخرجه البخاري في كتاب الأذان باب رفع الصوت بالأذان ١/ ١٥٨ والنسائي ٢/ ١٢، والموطأ ١/ ٦٩. ولفظه "إِذَا كُنْتَ في غَنَمِكَ أَوْ في بَاديَتِكَ فَأَذّنْتَ للصَّلاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ فَإِنَهُ لَا يَسْمع مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنُّ، وَلَا إِنسٌ وَلَا شَيْءٌ، إلا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
(٤) كذا في جميع النسخ ولعل الصواب عنها.
(٥) النحل آية ٧٨.
(٦) قال الحافظ ابن كثير عند قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} هذا عام في =

<<  <   >  >>