للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولها وهي مرادة بمعنى هذا الحديث فيها، والأصل في كل نية أن تكون عقدها مع التلبّس بالفعل المنوي بها أو قبل ذلك بشرط استصحابها، فإن تقدمت النية وطرأت غفلة فوقع التلبس بالعبادة في تلك الحالة لم يعتدّ بها كما لا يعتدّ بالنية إذا وقعت بعد التلبّس بالفعل، وقد رخّص في تقديمها في الصوم لعظيم الحرج في اقترانها بأوله ووقع لعلمائنا مشاحة في تقديمها في الوضوء فيمن خرج يقصد النهر للطهارة فعزبت نيته قبل البلوغ إليه أنه تجزيه وحمل الجهّال الصلاة عليه، وإنما ذلك في الطهارة لاختلاف العلماء في افتقارها إلى النيه بخلاف الصلاة فإن افتقارها إلى النية مجمع عليه فلا يجوز ردّ الأصل المتفق عليه إلى الفرع المختلف فيه. قال أبو الحسن القروي (١)، بثغر عسقلان (٢): سمعت إمام الحرمين يقول: يحضر الإنسان عند التلبّس بالصلاة النية ويجدد النظر في الصانع وحدث العالم والنبوات حتى ينتهي نظره إلى نية الصلاة، قال: ولا يحتاج ذلك إلى زمان طويل وإنما يكون في أوجز لحظة لأن تعليم الجمل يفتقر إلى الزمان الطويل وتذكارها يكون في لحظة. ومن تمام النية أن تكون منسحبة على الصلاة كلها إلا أنّ ذلك لما كان أمراً يتعذر سمح الشرع في عزوب النية في أثنائها. سمعت شيخنا أبا بكر الفهري، بالمسجد الأقصى، يقول: قال محمَّد بن سحنون (٣): رأيت أبي سحنون ربما يكمل الصلاة فيعيدها، فقلت


= بالنية والحسبة ولكل امرئ ما نوى ١/ ٢١، وفي كتاب النكاح باب من هاجر أو عمل خيراً ليتزوج امرأة فله ما نوى ٧/ ٤ وفي كتاب الطلاق ٧/ ٣٩ وفي كتاب العتق ٣/ ١٢٧.
ومسلم في كتاب الإمارة باب قوله: "إِنَّما الأعْمَالُ بالنِّيَّاتِ" ٣/ ١٥١٥, ١٥١٦، وأبو داود ٢/ ٦٥١، والترمذي ٤/ ١٧٩، والنسائي ٦/ ١٥٨ - ١٥٩، وابن ماجه ٢/ ١٤١٣ كلهم من حديث عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إِنَّمَا الَأعْمَالُ بِالنيةِ ولكل امرئ مَا نوى .. ".
(١) أبو الحسن الفروي هذا لم أطلع على ترجمته.
(٢) هي مدينة بالشام من أعمال فلسطين على ساحل البحر بين غزة وبيت جبرين ويقال لها عروس الشام. وقد نزل بها جماعة من الصحابة والتابعين وحدَّث بها خلق كثير. معجم البلدان ٤/ ١٢٢، الإنساب للسمعاني ٩/ ٢٩٤.
(٣) محمَّد بن سحنون ولد سنة ٢٠٢ - ٢٥٥.
هو الإِمام بن الإِمام شيخ الإِسلام وعلم الأعلام الفقيه الحافظ النظّار مع الجلالة والثقة والعدالة، تفقه بأبيه، وسمع ابن أبي حسان وموسى بن معاوية وعبد العزيز ابن يحيى المدني، له كتابه الجامع لفنون العلم وكتابه المسند في الحديث. شجرة النور الزكية ١/ ٧٠، الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب ١/ ١٦٩، ترتيب المدارك ٣/ ٩٣ - ٩٤.

<<  <   >  >>