للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رضي الله عنه، عليهم ما جاء فيها من الآثار ولا غنى للناظر عن معرفة الآثار كما لا بدّ له من العلم بالأخبار ليعلم كيف كان تلقي السلف للأحاديث وعلى أي وجه كان قبولهم لها، ويطلع من أي باب تولجوا إليها فلا منهج إلا منهاجهم، وهذه الحالة مشكلة جداً ولأشكالها تقطع العلماء فيها أيادي سبأ (١)، ونحن نخرج لكم فيها عن ذخيرة يا طالما شددنا عليها الوكاء، ودافعنا عنه بالارجاء قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} (٢)، وصلى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - صلاته المعلومة ونقلها الناس جملة كأبي حميد الساعدي وأبي هريرة، رضي الله عنهما، وغيرهما ونقلها أيضاً جماعة من الصحابة مفصلة، واجتمع البيان في كل طريق منها، والذي نقل عنه - صلى الله عليه وسلم -، في هيئة الصلاة من الأفعال والأقوال ست وثلاثون خصلة.

اختلفت مناهج العلماء فيها على ثلاثة أنحاء:

المنحى الأول: أنها كلها واجبة.

المنحى الثاني: أن ما تضمنه القرآن منها واجب وما خرج عنه فهو مسنون.

المنحى الثالث: المقابلة بين الأقوال والأفعال فما تخلَّص منها إلى الوجوب أو السنة قضي به، وعلى ذلك بني مالك موطّأه وهو المنهج الأسد الأقصد بسطة وإيضاحه أن النبي، - صلى الله عليه وسلم - قال: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي" (٣) فوجب الانتهاء إلى هذا وتعين الاقتداء به، ثم نظرنا إلى جملة الست والثلاثين خصلة نظراً جملياً ومفصلاً. أما النظر الجملي فمن حديث أبي هُرَيْرَة وغيره: (أنَّ رَجُلًا دَخَلَ على النبي، - صلى الله عليه وسلم -، في الْمَسْجِدِ فَصَلَّي ثُمَّ خَرَجَ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ، - صلى الله عليه وسلم -، وَعَلَيْكَ السَّلَام ارْجَعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلَّ إِلى أَنْ بَيَّنَ لَهُ فَقَالَ لَهُ تَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ الله ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَكَبِّر ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى


(١) هذا مثل عربي يقال: تَفَرَّفوا أَبدي سَبَأ وأَيَاديَ سَبَأ. تبدّدوا. ضرب المثل بهم لأنه لما غرق مكانهم وذهبت جناتهم تبدَّدوا في البلاد. ترتيب القاموس ٢/ ٥٠٤.
(٢) سورة البقرة آية ٤٣.
(٣) الحديث متفق عليه.
أخرجه البخاري في كتاب الآذان للمسافر ١/ ١٦٢، ومسلم في كتاب المساجد باب من أحق بالإمامة ١/ ٤٦٥، وأبو داود ١/ ١٦١، والترمذي ١/ ٣٩٩، والنسائي ٢/ ٩٠٨، وابن خزيمة في صحيحه ١/ ٢٠٦، والبغوي في شرح السنة ٢/ ٢٩٦، كلهم من رواية مالك بن الحويرث واللفظ هنا لفظ البخاري وابن خزيمة والبغوي والباقون رووه باختصار.

<<  <   >  >>