للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المرتبة الخامسة: أن يقول الصحابي: كان الأمر في عهد رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، كذا كقول ابن عباس: "كَانَتِ الْبَتَّةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله، - صلى الله عليه وسلم -، وَاحِدةً" (١)، وهذا فيه احتمال كثير وخلاف مشهور، وقد بينا أدلة هذه المراتب في كتاب التمحيص وخلصنا إلى المقصود منها في المحصول (٢)، وقد قال علي، رضي الله عنه، في هذا الحديث: "نَهَانِي رسولُ الله، - صلى الله عليه وسلم -، وَلاَ أَقُولُ نَهَاكُمْ" وهذا تحرير اللفظ واحتراز من الغلط؛ لأن الراوي إذا نهاه النبيُّ، - صلى الله عليه وسلم -، عن شيء فقال نهى رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، مطلقاً، فقد نقل الخبر عن النبيّ، - صلى الله عليه وسلم -، وقاس غيره عليه وجعل الكل منوطاً بالنبي، - صلى الله عليه وسلم -. وقد ثبت عن النبي، - صلى الله عليه وسلم -: "اَنَّة قَالَ: أَمّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِيهِ بِالدُّعَاءِ فَإِنَّهُ قمن أَنْ يُستَجَابَ لَكُمْ" (٣)، وفي الموطأ النهي عن قراءة القرآن في الركوع، وفي صحيح مسلم (نهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود) وذلك أن الله تعالى ذكر محال الصلاة وأذكارها


(١) هذا الأثر رواه مالك عي الموطّأ ٢/ ٥٥٠ بلاغاً وعبد الرزاق في مصنفه ٦/ ٣٩٧، وابن أبي شيبة في مصنفه ٥/ ١٣، والبيهقي في السنن ٧/ ٣٣٧، وقد عنون له مالك في الموطأ ما جاء في البتة ولفظه (أنَّ رَجُلاً قَالَ لعَبْد الله ابْن عَبّاسٍ: إنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي مِائَةَ تَطْلِيقَةٍ فَمَاذَا تَرَى عَلَيَّ؟ فقَالَ لَهُ ابْنُ عَباس: طَلُقَتْ مِنْكَ ولثلاثٍ، وسبْعٌ وتسْعونَ اتَّخَذْت بِهَا آيَاتِ الله هُزُوَاً)، وعزاه السيوطي للشافعي وابن المنذر. الدر المنثور ١/ ٢٨٦.
والأثر صحيح إلى ابن عباس حسب السند الذي ورد به عند عبد الرزاق والبيهقي.
(٢) قال في المحصول: قال بعض الناس: نقل ألفاظ الرسول، - صلى الله عليه وسلم -، في الشريعة واجب لقول رسوله، - صلى الله عليه وسلم -: "نضر الله امْرَأَ سَمِعَ مَقَالَتي فوَعَاهَا فَأَدَّاهَا كَما سِمعَهَا فَرُبَّ حَامِل فُقْهٍ ليس بِفقِيهٍ .. " وألفاظ الشريعة على قسمين:
أحدها: أن يتعلق به التعبد كألفاظ التشهد، فلا بد من نقلها بلفظها.
والثاني: ما وقع التعبد بمعناه فهذا يجوز تبديل اللفظ بشرطين أن يكون المبدل ممن يستقل بذلك، وقد قال واثلة بن الأسقع: ليس كلما سمعنا من رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، نحدثكم عنه باللفظ، حسبكم المعنى. والدليل القاطع في ذلك قول الصحابة، رضي الله عنهم، عن بكرة أبيهم: نهى رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - عن كذا وأمر بكذا, ولم يذكروا صيغة الأمر ولا صيغة النهي وهذا تعلق بالمعنى. المحصول ل ٤٩ ب. وانظر شرح التنقيح ص٣٧٣, نشر البنود ٢/ ٦٨.
(٣) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود ١/ ٣٤٨، وأبو داود ١/ ٥٤٥، والنسائي ٢/ ١٨٩ - ١٩٠، والبغوي في شرح السنة ٣/ ١٠٧، وقال صحيح وأحمد في المسند رقم ١٩٠٠ كلهم من حديث ابن عباس قال: "كَشَفَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، السَّتَارَةَ وَالنَّاسُ صُفوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَقَال يَا أَيها النَّاسُ إنَّة لمْ يَبْقَ منْ مُبشراتِ النبُوَّةِ إِلَاَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يُرَاهَا المسْلِم أَوْ تُرَى لَهُ أَلاَ إِنِّي نُهِيت أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ =

<<  <   >  >>