للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: (صُفِّدَت آلشَّيَاطِينُ) يحتمل الحقيقة بأن تغلّ بالحديد، ويحتمل المجاز ويكون عبارة عن كفها عن الاسترسال على الخلق، كما كانت تسترسل على الخلق قبل ذلك كقوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} (١) عبارة عن الكف عن العطاء والحقيقة عندي أولى فإنها أبلغ في الهوان للشيطان.

فإن قيل فنحن نرى المعاصي تجري في رمضان كما كانت تجري قبله فأين التصفيد أو فائدته؟

فالجواب عن ذلك من وجهين:

أحدهما: أنا نقول قد روي في الحديث: "وَصُفِّدَتْ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ" فيحتمل أن يريد به أهل الخبث والدهاء منهم يصفدون فيذهب جزء من الشر كبير بهم ونحن نشاهد قلّة المعاصي في رمضان فلا يجوز إنكار ذلك.

الثاني: أن يكون معناه في تصفيد الشياطين كلهم عن الاستطالة بأبدانهم ويبقى تسليطهم بالوسوسة والدعاء إلى الشهوات والتنبيه على المعاصي وللشيطان على الإنسان استطالتان:

إحداهما: على يديه بالقتل والضرب كما قتلوا سعد بن عبادة (٢)، وكما قتلوا


= مسلم/ فق ع. ت ٢/ ٣٩٩ وانظر ت ت ١٢/ ٣٤.
وللحديث شاهد رواه النسائي من طريق عرفجة قال: كنت في بيت فيه عتبة بن فرقد فأردت أن أحدث بحديث وكان رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، كأنه أولى بالحديث مني فحدّث الرجل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "في رَمَضَانَ تُفْتَحُ فِيهِ أبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أبْوَابُ النَّارِ وَيُصَفَّدُ فِيِه كُلُّ شَيْطَانٍ مُرِيدٍ، وَيُنَادِي مُنَادٍ كُلَّ لَيْلَةٍ يَا طَالِبِ الخَيْرِ هَلُمَّ وَيَا طَالِبِ الشَّرِ أمسِكْ". سنن النسائي ٤/ ١٣٠ ومن نفس الطريق رواه أحمد. انظر الفتح الرباني ٩/ ٢٢٧، والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ١/ ٤٢١.
درجة الحديث: صحيح بشواهده.
(١) سورة الإسراء آية ٢٩.
(٢) سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الأنصاري الخزرجي، أحد النقباء وأحد الاجواد، وقع في صحيح مسلم أنه شهد بدراً والمعروف عند أهل المغازي أنه تهيَّأ للخروج فنهش فأقام، مات بأرض الشام سنة خمس عشرة وقيل غير ذلك. ت ١/ ٢٨٨، وانظر الإصابة ٢/ ٢٩ - ٣٠.
وقال ابن سعد بعد أن ساق ترجمته: جلس يبول في نفق فأقتل فمات من ساعته ووجدوه قد أخضر جلده. قال ابن سعد: نا يزيد بن هارون عن سعيد ابن أبي عروبة قال: سمعت محمد بن سيرين يحدث =

<<  <   >  >>