للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خمسين صلاة إلى خمس (١)، فلو أجمعوا على هذه الصلاة لجاز أن يقال له سألت التخفيف عنهم فخففنا فتراهم قد التزموا من قبل أنفسهم زائدًا على ذلك فيلزمهم. وكان النبي، - صلى الله عليه وسلم -، بالمؤمنين رؤوفًا رحيمًا، وهذا يدلك على فضل الجماعة وعظيم موقعها في الدين؛ لأن كل أحد كان يصلي في بيته ليلًا ولم يخفِ النبي، - صلى الله عليه وسلم -، بوجه الفرضيّة بذلك وإنما خافها عند الاجتماع عليها فتركها رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، مدته وأبو بكر، رضي الله عنه، خلافته لاشتغاله بتأسيس القواعد وربط المعاقد وبنيان الدعائم وتحصين الحوزة وسد الثغور بأهل النجدة، ثم جاء عُمر رضي الله عنه، والأمور منتظمة والقلوب لعبادة الله تعالى فارغة والنفوس إلى الطاعات صبة (٢) فلما رآهم في المسجد أوزاعًا (٣) رأى أن ينظّم شملهم بإمام واحد أفضل دينًا، وأكثر انتفاعًا فجمعهم على أبي (٤) اقتداء برسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، في لياليه الثلاث، التي صلى فيها، ولعلمه بأن العلة التي ترك النبي، - صلى الله عليه وسلم -، الصلاة لها من خوف


= ٤/ ١١٧ كلهم من حديث عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "صَلَّى في الْمَسْجِدِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَصَلَّى بِصَلاَتِهِ نَاسٌ ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ فَاجْتَمَعُوا مِنَ الْلَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أو الرابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ .. قَالَ إِنِّي خَشِيتُ أنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ".
(١) متفق عليه البخاري في بدء الخلق باب ذكر الملائكة ٤/ ١٣٣، وفي فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، باب المعراج ٥/ ٦٦.
ومسلم في الإيمان باب الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ١/ ١٤٥ - ١٤٧ والترمذي ١/ ٤١٧، مختصرًا والنسائي ١/ ٢١٧ - ٢٢٣ كلهم من حديث أنس بن مالك.
(٢) قال ابن الأثير: الصبة الجماعة من الناس، وقيل هي شيء يشبه السفرة. النهاية ٣/ ٤. وقال ابن منظور، الصبة ما صبَّ من طعام وغيره مجتمعًا، وربما سمي الصب بغيرها، والصبة السفرة لأن الطعام يصب فيها وقيل هي شبه السفرة. لسان العرب ١/ ٥١٥.
قلت: ومراد الشارح أن الناس مجتمعون على الإِسلام.
(٣) أي جماعات متفرقة لا واحد لها من لفظها يقال: وَزَّعْت الشيء بينهم أي فرّقته وقسمته. شرح السنة ٤/ ١١٩، وانظر النهاية ٥/ ١٨٠ - ١٨١.
(٤) رواه البخاري عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: خَرَجْتُ مَعْ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ، رَضِيَ الله عَنْهُ، لَيْلَةً في رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوزَاعٌ مُتَفَرقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ وُيصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِي بِصَلاَتِهِ الرَّهْطُ فَقَالَ عُمَرُ إِني أَرَى لَوْ جَمَعْتَ لهؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أمْثَلُ ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيّ ابْنِ كَعْبٍ ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلِّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ الْبُدْعَة هذِهِ. البخاري كتاب الصيام باب فضل من قام رمضان ٣/ ٥٨ ومالك في الموطأ ١/ ١١٤، والبغوي في شرح السنة ٤/ ١١٨ وأورده الخطيب التبريزي في المشكاة وعزاه للبخاري. المشكاة ١/ ٤٠٧.

<<  <   >  >>