للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما قوله: (يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلَاثَ عُقَدٍ) فإنه عبارة عن ثقل النوم، ونسب ذلك إلى الشيطان حين كان آفة، كما نسبه إلى نفسه تعالى حين كان آية في قوله {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} (١). وعلى نحو هذا ورد في الحديث "أَنَّ رَجُلًا نَامَ عَنْ صَلاةِ الصُّبْحِ فَقَالَ: إلِكَ رَجُلٌ بَالَ الشيْطَانُ في أُذُنِهِ" (٢) فضرب البول في الأذن لأنه مفسد لما يحل فيه مثلًا لفساد العبادة على هذا النائم حين تركها (٣)، وذلك


= السلف من السكوت عن التأويل، ونؤمن بما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة على طريق الإجمال وتنزه الله سبحانه عن الكيف والشبه بخلقه ونقول ما قال البيهقي وأسلمها الإيمان بلا كيف والسكوت عن المراد إلا أن يرد ذلك عن الصادق فيصار إليه. نقله عنه الحافظ في الفتح ٣/ ٣٠.
وقال أيضًا في السنن الكبرى ٣/ ٣: كان سفيان الثوري وشعبة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وشريك وأبو عوانة لا يحدون ولا يشبهون ولا يمثلون، يروون الحديث ولا يقولون كيف، وإذا سئلوا أجابوا بالأثر. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا أحمد بن عبد الله المروزي يقول، حديث النزول قد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من وجوه صحيحة، وورد في التنزيل ما يصدقه وهو قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}. والنزول والمجيء صفتان منفيتان عن الله تعالى من طريق الحركة والانتقال من حال إلى حال، بل هما صفتان من صفات الله تعالى بلا تشبيه، جل تعالى عما تقول المعطلة لصفاته والمشبهة بها علوًا كبيرًا. وقال أبو عمر ابن عبد البر في شرح هذا الحديث: هذا الحديث فيه دليل على أن الله عز وجل في السماء على العرش من فوق سبع سماوات، كما قالت الجماعة، وهو حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم إن الله في كل مكان وليس على العرش، والدليل على صحة ما قاله أهل الحق في ذلك قول الله عز وجل {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وقوله عز وجل {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} وقوله {إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} وقوله تبارك اسمه {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} وقوله {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} وقال {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} وقال جل ذكره {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)} وهذا من العلو إلى أن قال: وأهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة، والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئًا من ذلك ولا يحدون فيه صفة محصورة. وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئًا منها على الحقيقة، ويزعمون أن من أقرَّ بها مشبّه، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود، والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله. التمهيد ١٢٩/ ٧ - ١٤٥.
(١) سورة الكهف آية ١١.
(٢) الحديث متفق عليه أخرجه البخاري في التهجد باب إذا نام ولم يصلِّ بال الشيطان في أذنه ٢/ ٦٦، وفي بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده ٤/ ١٤٨، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين باب ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى الصبح ١/ ٥٣٧، والنسائي ٣/ ٢٠٤، وابن ماجه ١/ ٤٢٢ كلهم عن عبد الله بن مسعود.
(٣) قال الحافظ: اختلف في بول الشيطان فقيل هو على حقيقته قاله القرطبي وغيره، وقيل هو كناية عن سد الشيطان أذن الذي نام عن الصلاة حتى لا يسمع الذكر، وقيل معناه أن الشيطان استولى عليه واستخف به حتى اتخذ =

<<  <   >  >>