للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللحم، فأما ابن شهاب فرأى قوله. "هَلَّا أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ" فأقدم عليه، وأما غيره فرأى قوله: فدبغتموه، ولو علمه ابن شهاب لما تعداه.

وأما أحمد بن حنبل فإنما كان يصح ما قال بشرطين:

أحدهما: لو صح حديثه كصحة حديثنا فإن التعارض بين الخبرين إنما يكون إذا استويا في الصحة.

وأما الشرط الثاني: فبأن يتعارض (١) الخبران لفظًا، ولا معارضة بينهما ها هنا؛ لأن الجلد يسمى إهابًا قبل أن يدبغ وأديمًا إذا دبغ، فمتناول حديث عبد الله بن عكيم غير متناول حديث عبد الله بن عباس.

وأما مالك، رضي الله عنه، فكان حبر الشريعة حبر اللغة لم يخف عليه شيء من هذه الاعتراضات، ولكنه كان حوّاطًا على الدين، ملتفتًا إلى مصالح المسلمين (٢)، غواصًا على معاني ألفاظ العربية.

فتارة نظر إلى قوله "هَلَّا أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ" فأشار إلى مجرد الانتفاع ولم يقل إنه يعود إلى الحالة الأولى، فأعطاه درجة واحدة من الانتفاع حملًا لمطلق اللفظ على أقل ما يقع عليه الاسم، وهو أصل عظيم من أصول الفقه اضطربت فيه أقوال العلماء، ووفر عليه مالك، رضي الله عنه، حظ المعنى ولا سيما في الأَيمان برًا وحنثًا. ثم نظر تارة في أقل درجات الانتفاع، فقال تارة: يستعمل في الجامد لا سيّما والنفس تتقززه في المائع خاصة. وتارة قال: يستعمل في الماء وحده؛ إشارة إلى أنه مخصوص في الإباحة من أصل محرم على خلاف القياس فيقف حيث ورد به الشرع خاصة، وتارة قال: يستعمل على الإطلاق، وهذا القول وإن لم يكن مشهورًا في الرواية فإنه صحيح في الدليل لأن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، قال في الصحيح: "إِذَا دُبِغَ الإهَابُ فَقَدْ طَهَرَ" (٣).

واستدعى الماء من شن فقيل إنها ميتة فقال: "دِبَاغُهَا طهُورُهَا" وهذا يسقط كل نظر.

حديث: زيد بن خالد رضي الله عنه قال: "لأَرْمُقَنَّ (٤) الْلَّيْلَةَ صَلَاةَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -


(١) في (ص) تعارض.
(٢) في (ك) و (م) و (ص) الخلق.
(٣) تقدم تخريجه.
قلت ما رجحه الشارح هنا هو الراجح من حيث الدليل والله أعلم.
(٤) رمقه لحظه لحظًا خفيفًا. مختار القاموس ٢٦١.

<<  <   >  >>