للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أدخل مالك، رضي الله عنه، في الباب عن علي، رضي الله عنه، أنها الصبح (١) رادًا على أهل الكوفة (٢) الذين يقولون إنها العصر.

وأما سائر الأدلة في سائِر الصلوات فبيّنة، وإنما يكون مأزق الإشكال بين الصبح والعصر، والصبح أكثر فضائِل منها، حسب ما سطرناه من قبل. وربما توهم الشادي أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ تَرَكَ صلاَةَ الْعَصْرِ حَبَطَ عَمَلُهُ) (٣) مزيه لها (٣) على غيرها وهو وهم؛ لأن من ترك صلاة المغرب أيضًا حبط عمله مزية لها على غيرها على الوجه الذي يحبط بترك صلاة العصر، وكذلك يترك سائِر الصلوات فقوي بهذا كله أنها صلاة الصبح حسب ما ذهب إليه مالك (٤)، رضي الله عنه، ولله درّه فما كان أرحب ذراعه في النظر وأوسع حوصلته في الوعي. والله أعلم.


(١) الموطأ ١/ ١٣٩، وحكاه البغوي في شرح السنة ٢/ ٢٣٥ ثم قال: والصحيح عنه خلافه، وكدا قال الحافظ في الفتح وقال: وهو قول أبي أمامة وأنس وجابر وأبي العالية وعبيد بن عمير وعطاء وعكرمة ومجاهد وغيرهم، نقله ابن أبي حاتم عنهم، وهو أحد قولي ابن عمر وابن عباس، ونقله مالك والترمذي عنهما، ونقله مالك بلاغًا عن علي، والمعروف عنه خلافه ثم قال: وهو قول مالك والشافعي فيما نص عليه في الأم، واحتجوا بأن فيها القنوت وقد قال الله تعالى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}، وبأنها لا تُقصَر في السفر، وبأنها بين صلاتي جهر وصلاتي سر. فتح الباري ٨/ ١٩٦. وانظر تفسير جامع البيان في تفسير القرآن ٢/ ٣٥٠.
وبلاغ مالك هذا ضعّفه ابن عبد البر؛ فقد نقل عنه الزرقاني قوله: قد قال قوم إن ما في الموطّأ هنا عن علي أخذه من حديث حسن بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي أنه قال: صلاة الوسطى صلاة الصبح، لأنه لا يوجد إلا من حديث حسين وهو متروك كذا قال ثم عقب عليه بقوله: وفيه نظر لما علم أن بلاغ مالك صحيح وحسين ممن كذبه مالك ومحال أبي يعتمد على كذبه. الزرقاني ١/ ٢٨٦ أقول: حسين هذا قال عنه الذهبي تركه عير واحد. المغني ١/ ١٧٢، وقال ابن حبان: كان يروي عن أبيه عن جده نسخة موضوعة، روى عنه إسماعيل بن أبي أويس وكان ينزل في ينبع في مال له خارج المدينة فلما خرج إليه إسماعيل بن أبي أويس وسمع منه ورجع إلى المدينة هجره مالك بن أنس أربعين يومًا. وقال ابن معين ليس بشيء. المجروحين ١/ ٢٤٤، وانظر الجرح والتعديل ١/ ٥٧ - ٥٨. وعلى هذا فهذه الرواية عن علي لا يعوَّل عليها لضعفها ويعوَّل على ما صح عنه وهو كونها العصر، كما سيأتي.
(٢) المراد بأهل الكوفة أبو حنيفة وأصحابه وهذا هو الصحيح من مذهبهم كما قال صاحب البدر الملتقى من الشرح المنتقى ١/ ٧٠ حاشية على مجمع الأبحر.
(٣) في (م) له.
(٤) أقول: ما رجحه هنا هو الذي رجح في العارضة والأحكام فقد قال في العارضة ١/ ٢٩٥ بعد أن ساق الأقوال قال: (والصحيح إنها مخفية) زيادة في فضلها، وقال في أحكام القرآن: (وأما من قال إنها غير معينة =

<<  <   >  >>