للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وللجمع حالتان:

حالة سفر وحالة إقامة، وللإِقامة حالتان حالة مطر وحالة مرض.

فأما جمع السفر فمن رحل قبل أن تزول الشمس من منزله أو قبل أن تغرب أخَّر الأولى إلى وقت الثانية، ومن رحل بعد زوال الشمس وبعد غروبها قدَّم الثانية إلى الأولى، وقال (ش): الجمع في السفر رخصة متعلقة بعين السفر سواء ارتحل المسافر أو أقام يومه في منزله يجمع بين الصلوات كما يقصر (١) وهذا ضعيف لأن صورة الجمع للمسافر إنما وردت مع الرحيل وجدّ السير والرخص لا يتعدى بها محالها.

فإن قيل فقد روي من طرق منها في الموطأ أن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، "خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ والْعَصْرَ ثُمَّ دَخَلَ وَخَرَجَ وَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ" (٢)، ولا يعبر بدخل وخرج إلا عن حال المقيم، فأما المسافر فإنما يقال فيه نزل وركب.

قلنا: هذه حكايته حال وقضية في عين، فيحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم -، صلى الظهر في آخر وقتها ثم أقام العصر فصلاها في أول وقتها، وكذلك صلى المغرب في آخر وقتها ثم قام إلى العشاء فصلاها في أول وقتها، فيكون جمعًا من حيث الصورة لا من حيث المعنى، وكذلك روى أشهب عن مالك، رضي الله عنه، فيه كما أوردناه (٣).

وإذا احتمل بهذا سقط الاحتجاج به.

وأما جمع المقيم المريض فليس له حد إلا بحسب ما يجد المريض من يناوله ويوضئه، أو بحسب ما يعلم أنه يغلب على عقله فيه (٤).


(١) نقله الحافظ في الفتح ٢/ ٥٨٣ وعزاه للشافعي في الأُمّ.
(٢) الموطّأ ١/ ١٤٣، ومسلم في الفضائل باب في معجزات النبي، - صلى الله عليه وسلم -، ٤/ ١٧٨٤، والبغوي في شرح السنة ٤/ ١٩٣ - ١٩٤ كلهم من حديث معاذ بن جبل قال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله، - صلى الله عليه وسلم -، عَامَ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَكَانَ يَجْمَعُ الصلاة فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمْعًا ..
(٣) قال ابن رشد في المقدمات: اختلفوا في إباحة الجمع لغير عذر، فالمشهور أن ذلك لا يجوز، وقال أشهب: ذلك جائز على حديث ابن عباس. مقدمات ابن رشد بهامش المدونة ١/ ١١٢.
(٤) قال البغوي في شرح السنة ٤/ ١٩٩: ذهب الحسن وعطاء بن أبي رباح إلى أن الجمع بعذر المرضِ جائز وحملًا عليه حديث ابن عباس قال: صَلَّى رَسُولُ الله، - صلى الله عليه وسلم -، الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْعًا بِالْمَدِينةِ مِنْ غَيْرِ خوْفٍ وَلَا سَفَرٍ. قال أبو الزبير: قلت لسعيد بن جبير لم فَعَلَه؟ قال: سألت ابن عباس كما سألتني فقال: لئلا يحرج أمته، أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين باب الجمع بين الصلاتين في الحضر ١/ ٤٩٠، وأبو داود ٢/ ٦، والنسائي ١/ ٢٩٠، والبغوي في شرح السنة ٤/ ١٩٨. وقال هذا الحديث يدل على جواز الجمع بلا عذر لأنه جعل العلة أن لا تحرج أمته، وقد قال به قليل من أهل الحديث، وحكي عن ابن سيرين أنه كان لا =

<<  <   >  >>