للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عمر فعوَّل على فعله فإنه كان يقصر الصلاة إذا خرج إلى ريم (١)، وهي أربعة برد (٢)، لأن ابن عمر كان كثير الاقتداء بالنبي، - صلى الله عليه وسلم -، وتركب على هذا أنه روي عنه في الكتب المشهورة أنه يقصر في ستة وثلاثين ميلًا (٣) وهي تقرب من يومٍ وليلة لأنه لم يرد بقوله مسيرة يوم وليلة أن يسير النهار كله والليل كله إنما أراد أن يسير سيرًا يبيت فيه عن أهله ولا يمكنه الرجوع إليهم، ولا تستبعدوا أن يكون مالك، رضي الله عنه، عثر على هذا الحديث فركَّب عليه ما ذكرناه واعتبر عليه ما اعتبرناه، لأن القاضي ابن المنتاب (٤) ذكر أن مالكًا، رضي الله عنه، روى مائة ألف حديث جمع منها في موطّئه عشرة آلاف، ثم لم يزل يعرضها على الكتاب والسنة ويختبرها بالاعتبار والآثار ويحذف حتى عادت إلى خمسمائة. وكذلك أيضًا وقع الإِشكال في مدة الإِقامة وإن أعجبت فلا أعجب من قول ابن عباس


(١) قال ابن الأثير: رِيم، بكسر الراء، اسم موضع قريب من المدينة. النهاية ٢/ ٢٩٠، وقال الكاندهلوي: هي واد لمزينة قرب قرب المدينة. أوجز المسالك ٣/ ١٠٠.
(٢) الموطّأ ١/ ١٤٧ مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أنه ركب إلى ريم فقصر الصلاة، ورواه عبد الرزاق في المصنف ٢/ ٥٢٥ وقال فيه أن ابن عمر سافر إلى ريم فقصر الصلاة، وهي مسيرة ثلاثين ميلًا. ونقل الزرقاني عن ابن عبد البر قوله وأراها، وهما بخلاف ما في الموطأ، ورواه عقيل عن ابن شهاب وقال هي ثلاثون، فيحتمل أن ريم موضع متسع كالإقليم فيكون تقدير مالك عند آخره وعقيل عند أوله. شرح الزرقاني ١/ ٢٩٨.
درجة الأثر: صحح إلى ابن عمر.
(٣) لم أطَّلع على هذا القول لأبن عمر، وقد ساق الحافظ الروايات الواردة عن ابن عمر في المسافة فقال: قد اختُلف على ابن عمر في تحديد ذلك فروي عنه ثلاثة أيام، وروي عنه أنه كان أدنى ما يقصر فيه الصلاة مال له بخيبر، وبين المدينة وخيبر ستة وتسعون ميلًا.
قلت: هذا الأثر رواه مالك عن نافع عن ابن عمر. الموطأ ١/ ١٤٧ وسنده صحيح. وقال الحافظ: وروى وكيع من وجه آخر عن ابن عمر أنه قال: يقصر من المدينة إلى السويداء وبينهما اثنان وسبعون ميلًا.
وروى ابن أبي شيبة عن وكيع عن مسعر عن محارب: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: إِنِّيِ لأُسَافِر السَّاعةَ مِنَ النَّهَارِ فَأَقْصِرُ. وقال الثوري: سَمِعْتُ جبلة بن سحيم سمعت ابن عمر يقول: لَوْ خرَجْتُ مِيلًا قَصَرْتُ الصَّلاَةَ. إسناد كل منهما صحيح، وقال الحافط: وهذه أقوال متغايرة جدًا والله أعلم. فتح الباري ٢/ ٥٦٧.
(٤) هو أبو الحسن عبيد الله بن المنتاب بن المفضل البغدادي، قاضي المدينة المنورة، الإمام الحافظ النظار، تفقّه بالقاضي إسماعيل وبه تفقّه جماعة منهم أبو إسحاق بن شعبان، لم يذكر وفاته. شجرة النور الزكية ١/ ٧٧ وقال ابن فرحون في الديباج ١/ ٤٦١ روى عنه ابن القاسم والشافعي.

<<  <   >  >>