للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم اختلف الناس في العمل بهذه الأحاديث على ثلاثة أقوال. فمنهم من قال لا تستقبل القبلة لغائط ولا بول لا في الصحاري ولا في البنيان (١).

ومنهم من قال ذلك في الصحراء خاصة (٢)، ومنهم من قال يجوز الاستدبار في البنيان ولا يجوز الاستقبال (٣).

والمنع عام في الصحراء من الوجهين وهو (قول) (٤) (ح).

أما من قال بعموم النهي في كل موضع فيتعلق بظاهر حديث أبي أيوب.

وأما من قال يجوز الاستدبار وحده فهو الذي في حديث ابن عمر فقال به وتحقيق الكلام في المسألة أن حديث ابن عمر معارض لحديث أبي أيوب.

وقد اختلف الناس في تعارض القولين والفعلين (٥) اختلافاً كثيراً بيَّنَّاه في المحصول (٦) لبابه أن القولين إذا تعارضا بأن تعلَّقا بمعنيين متنافيين في حق شخص واحد في وفت واحد فإن ذلك مستحيل لأنه من باب تكليف المحال فإن وردا فأحدهما ناسخ للآخر (٧).

وأما اختلاف الفعلين فلا تضاد بينهما لذاتيهما كالقولين أيضًا لا تضاد بينهما لذاتيهما فلا تعارض بينهما إلا أن يقتضيا بيان معنى ولتعلقا في بيانه تعلق القولين، كما قدمنا،


(١) وهو قول أبي أيوب الأنصاري ومجاهد وإِبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأبي ثور وأحمد في رواية. شرح النووي على مسلم ٣/ ١٥٤.
وقال الحافظ: وهو المشهور عن أبي حنيفة ورجّحه من المالكية ابن العربي، ومن الظاهرية ابن حزم وحجتهم أن النهي مقدّم على الإباحة. فتح الباري ١/ ٢٤٦.
أقول: سيأتي قريباً ترجيح الشارح لهذا الرأي.
(٢) قال الحافظ: هو مذهب مالك والشافعي وإسحاق وهو أعدل الأقوال لإعماله جميع الأدلة. فتح الباري ١/ ٢٤٦.
(٣) وقائل هذا القول أبو يوسف تمسكاً بظاهر حديث ابن عمر. فتح الباري ١/ ٢٤٦.
(٤) أقول: زيادة يقتضيها السياق.
(٥) انظر شرح فتح القدير لابن الهمام ١/ ٢٩٧.
(٦) كتاب المحصول للمؤلف ص ل ٤٦ ب أفعال رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، في نازلة على وجهين مختلفتين فصاعداً، فإن العلماء اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال منهم من قال بالتخيير، ومنهم من أجرى الفعل مجرى القول فحكم بتقديم الفعل إذا تأخر على الفعل المتقدم، ومنهم من رجح أحد الفعلين بدليل آخر من قياس أو غيره.
وانظر شرح التنقيح للقرافي ص ٢٩٢، والمنخول من تعليقات الأصول ص ٢٢٧.
(٧) في (م) فأحدهما ناسخ للأول والأَوْلى ما في الأصل.

<<  <   >  >>