للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالحكم فيهما واحد.

وأما إذا تعارض القول والفعل فقال قوم يقدم القول لأنه عام والفعل مختص بالنبي، - صلى الله عليه وسلم -، فيقف عليه ولا يكون هنالك تعارض (١).

وهذا كلام إن ظهر عند الإطلاق لم يصح عند السبر والتقسيم لنكتة بديعة وهي أن كل أمر ورد من جهة الله تعالى على النبي، - صلى الله عليه وسلم -، بتكليف الخلق فإن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، داخل فيه يلزمه من ذلك ما يلزمهم، وهي مسألة خلاف في أصول الفقه هل يدخل الآمر تحت الأمر أم لا (٢).

وهي مسألة مغلطة (٣) قد بيَّنَّاها أيضًا هنالك (٤)، فإذا ثبت أن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، داخل في الأمر مع الخلق، ثم ثبت أنه تركه فذلك نسخ في حقه وبقي أن ينظر هل يكون نسخاً في حق غيره أم لا، والصحيح أن النسخ مقصور عليه إلا أن يدل علي تعديه، وقد دل الدليل العام على تعديه إلى غيره قال الله تعالى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (٥).

فأرشدنا إلى الاقتداء به وثبت بالتواتر المعنوي أن الصحابة، رضي الله عنهم، كانوا يلجؤون إلى فعله (٦) عند المشكلات، كما يلجؤون إلى قوله. فإذا ثبت هذا وصح جواز الاستدبار في البنيان فجواز الاستقبال يؤخذ من طريقين:

أحدهما. طريق المعنى، وهو قياس الاستقبال على الاستدبار في البنيان في جوازه،


(١) إذا تعارض قول وفعل فاختلف الناس فيه فمنهم من قال الفعل أولاً لأنه أقوى، ومنهم من قال القول أَوْلى لأن له صيغة ولا صيغة للفعل ولأن القول متناول أشياء كثيرة والفعل يختص بصورته .. والصحيح في النظر أن القول أقوي لأنه لا احتمال فيه والفعل محتمل فلا يترك الصريح للاحتمال. المحصول ل ٤٧ أب، وانظر شرح التنقيح ص ٢٩٢.
(٢) قال القرافي: ويندرج النبي، - صلى الله عليه وسلم -، في العموم عندنا وعند الشافعية، وقيل علو منصبه يأبى ذلك، وقال الصيرفي: إن صدر الخطاب بالأمر بالتبليغ لم يتناوله وإلا تناوله .. وأما الفرق بين الأمر بالتبليغ وغيره فلأن الظاهر في الخطاب الذي يبلغه لغيره لأنه لا يندرج فيه لغة كقوله تعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} ونحو ذلك، فهذا لا يتناوله من حيث اللغة بل بدليل منفصل أو يقال هو مأمور بأن يقول لنفسه أيضًا لأنه من جملة المؤمنين، وكذلك يندرج المخاطب في العموم الذي يتناوله لأن شمول اللفظ يقتضي جميع ذلك. شرح التنقيح ص ١٩٧ - ١٩٨.
(٣) المغلطة: الكلام يغلط فيه ويغالط به. ترتيب القاموس ٣/ ٤١٠.
(٤) في (م) في كتب المسائل.
(٥) سورة الأحزاب آية (٢١).
(٦) يدل لذلك أن الصلاة والزكاة والحج والصوم وسائر الأحكام إنما ذكرت في القرآن مجملة بيَّنتها السنّة. قال تعالى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} انظر شرح الزرقاني ٢/ ١٩.

<<  <   >  >>