للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كَمَا اخْتَلَفَ الْيهُودُ وَالنَّصَارَى في التَّوْرَاةِ وَالإِنْجيلِ) (١) فاجتمعت الصحابة، رضي الله عنهم، على ما في المصحف وسقط ما وراءه، وتمم الله علينا هذه النعمة بما ضمن من حفظ كتابه للأمة حين قال تعالى: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (٢)، وذهبت كل صحيفة كانت في الأرض سواه حتى أن ابن مسعود كان، رضي الله عنه، يذكره ذلك وقال: يا أيها الناس إني غالٌّ مصحفي فمن استطاع منكم أن يغلَّ مصحفه فليفعل (٣) فإن الله تعالى يقول: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (٤) فما بقي منها على الأرض حرف.

الثاني: أن القراءة لكل أحد إنما تكون (٥) بقدر استطاعته؛ فمن كانت ياؤه جيماً، أو كافه شيناً، أو لامه ميماً فإنه يجوز له أن يقرأ بذلك، وهذا هو المقدار الذي تفتقرون إِليه، وما سواه، مستراح منه. فإن قيل: فما تقولون في هذه القراءات السبع التي أُلِّفَتْ فيها الكتب؟.

قلنا: إنما أرسل أمير المؤمنين المصاحف إلى الأمصار الخمسة (٦) بعد أن كتبت بلغة قريش، فإن القرآن إنما نزل بلغتها، ثم أذن رحمة من الله تعالى لكل طائفة من العرب أن تقرأ بلغتها على قدر استطاعتها، فلما صارت المصاحف في الآفاق غير مضبوطة بنقط ولا معجمة بضبط قرأها الناس فما أنفذوه نفذ، وما احتمل الوجهين طلبوا فيه السماع حتى وجدوه، فلما أراد بعضهم أن يجمع ما شذَّ عن خط المصحف من الضبط جمعه على سبعة أوجه (٧) اقتداء بقوله - صلى الله عليه وسلم - "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ".

وليست هذه الروايات بأصل في التعيين بل ربما خرج عنها ما هو مثلها، أو فوقها، كحروف أبي جعفر (٨) المدني فإنها فوق حروف عبد الله (٩) بن كثير المكي, لأنه أشهر منه


(١) البخاري في فضائل القرآن باب جمع القرآن ٦/ ٢٢٦، والبغوي في شرح السنة ٤/ ٥١٩ - ٥٢١، والمصاحف لابن أبي داود ص ١٨ - ١٩، والمرشد الوجيز لأبي شامة ص ٤٩ - ٥٠، كلهم من حديث أنس.
(٢) سورة الحجر آية ٩.
(٣) المصاحف لابن أبي داود ص ١٥ - ١٦.
(٤) سورة آل عمران آية ١٦١.
(٥) في (م) إنما هي.
(٦) انظر فتح الباري ٩/ ٣١ - ٣٢.
(٧) في (م) أحرف.
(٨) أبو جعفر القاري المدني المخزومي مولاهم، اسمه يزيد بن القعقاع، وقيل جندب ابن صيرور، وقيل فيروز، ثقة من الرابعة. مات سنة ١٢٧ وقيل ١٣٠ هـ، ت ٢/ ٤٠٦ وت ت ١٢/ ٥٨، والنشر في القراءات العشر ١/ ١٧٨، والإقناع في القراءات السبع ٨/ ٧٣.
(٩) عبد الله بن كثير، أبو معبد، إمام أهل مكة في القراءة .. أخذ القراءة عرضاً عن مجاهد ابن جبر ودرباس =

<<  <   >  >>