للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجه الحكمة فيه والجمع بينه وبينه أن كل معصية اختصت بصاحبها ولم تتعدّه فوزرها مقصور عليه، وكلما تعدَّته فإنه يتعدى. والتعدّي يكون بوجهين؛ يكون بالفعل نفسه ويكون بتعليم الجاهل، وتنبيه الغافل والتعليم من أعظم أنواع التعدي وقد قال النبي، - صلى الله عليه وسلم - (مَا مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ إِلَّا وَعَلَى ابنِ آدم الأوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا) (١) , لأنه أوَّل من سنَّ القتل.

حديث: كان أبو الدرداء يقول: (نَامَتِ الْعُيُونُ وَغَارَتِ النُّجُومُ وَأنْتَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (٢)، الحديث. إن الله أذن في دعائه، وعلم الدعاء في كتابه لخليقته، وعلم النبي، - صلى الله عليه وسلم -، الدعاء لأمته فاجتمعت فيه ثلاثة أشياء العلم بالتوحيد، والعلم باللغة والنصيحة لأمته، فلا ينبغي لأحدٍ أن يعدل عن دعائه وقد احتال الشيطان للناس في هذا المقام فقيض لهم قوم سوء يخترعون لهم أدعية يشتغلون بها عن الاقتداء بالنبي، - صلى الله عليه وسلم -، وأشدَّ ما في الحال أنهم ينسبونها إلى الأنبياء صلوات الله عليهم فيقولون: دعاء آدم (٣) دعاء نوح (٤) دعاء يونس (٥) دعاء أبي بكر الصديق (٦)، فاتقوا الله في أنفسكم ولا تشتغلوا من الحديث بشيء


(١) متفق عليه. البخاري في عدة مواضع منها في الديات باب قول الله تعالى {وَمَنْ أحْيَاهَا} ٤/ ٣، وفي الاعتصام باب إثم من دعا إلى ضلالة ٩/ ١٢٧ ومسلم في القسامة باب بيان إثم من سنَّ القتل ٣/ ١٣٠٣ - ١٣٠٤، والترمذي ٥/ ٤٢ وقال حسن صحيح، والنسائي ٧/ ٨١ - ٨٢ كلهم عن عبد الله بن مسعود.
(٢) هذا الدعاء أورده مالك في الموطأ بلاغاً، ولم أطلع عليه عند غيره. الموطّأ ١/ ٢١٩.
(٣) ورد عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال (لَمَّا أُهْبِطَ آدَمُ إلَى الأَرْضِ قَامَ وَجَاءَ إلَى الْكَعْبَةِ فَصَلَّىَ رَكْعَتَيْنِ فَألْهَمَهُ هذَا الدُّعَاءَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ سَرِيرَتِي وَعَلَانَّيتِي فَاقْبَلْ مَعْذِرَتي، وَتَعْلَمُ حَاجتِي فَاعْطِنِي سؤْلِي، وَتعْلَمُ مَا في نَفْسي فَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي ..) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وفيه النضر بن طاهر وهو ضعيف. مجمع الزوائد ١٠/ ١٨٣.
أقول: الحديث فيه النضر بن طاهر روى عن سويد أبي حاتم قال ابن عدي: يسرق الحديث ويحدث عمن لم يره ممن لا يحتمله سنه. قال ابن أبي عاصم: سمعت منه ثم وقفت منه على كذب، ثم رأيته بعد ما عمي، يحدث عن الوليد بن مسلم بما ليس من حديثه فتتابع في الكذب، ميزان الاعتدال ٤/ ٢٥٨ - ٢٥٩، درجة الحديث: ضعيف.
(٤) لم أطلع على دعائه.
(٥) أما دعاء يونس فهو: لَا إِله إِلاَّ انتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ رواه الترمذي من طريق إبراهيم ابن محمد بن سعد عن أَبيه عن سعد (بن أبي وقاص). سنن الترمذي ٥/ ٥٢٩ - ٥٣٠، والحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ٢/ ٥٨٣، وأورده السيوطي في الجامع الصغير وصححه وتبعه في ذلك المناوي في فيض القدير ٣/ ٥٢٦ والحديث صححه من تقدم.
(٦) كان يقول: اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ عُمْرِي آخِرَة وَخَيْرَ عَمَلِي خَوَاتِمَهُ وَخَيْرَ أيَّامِي يَوْمَ ألْقَاكَ. مصنف ابن أبي شيبة ١٠/ ٣٢١، عن وكيع بن الجراح عن كثير بن زيد عن المطلب. =

<<  <   >  >>