للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلنا: لم يكن هذا من موسى، عليه السلام، كراهية في الموت، وإنما كان غضباً من موسى، عليه السلام، لسرعة غضبه، وما كان قط غضبه إلا في الله لا لمعنى من معاني الدنيا. قال علماؤنا: وإنما غضب ها هنا لأنه كان عنده أن نبياً لم يقبض قط حتى يخيَّر، فلما جاء بغير تخيير استنكر ذلك وأدركته حمية الإلهية. ألا ترى إلى قول عائشة، رضي الله عنها، حين سمعت النبي، - صلى الله عليه وسلم -، يقول (اللَّهُمَّ الرَّفِيقُ الأعْلَى) فعلمت أنه كان حديثه الذي كان يحدثنا به، تعني قوله (أنَّ نَبِيّاً لَمْ يُقْبَضْ حَتَّى يُخَيَّرَ) (١)، وقد روى أبو مويهبة (٢) أن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، قبل وفاته بليال نزل إليه جبريل عليه السلام (فَخَيَّرَهُ بَيْنَ الْخُلْدِ في الدُنْيَا أوْ بَيْنَ الْمَوْتِ) (٣)، وهذا من بلاء الله تعالى الحسن لأنبيائه، عليهم الصلاة والسلام, لأنه يخيِّرهم قبل الموت بين البقاء في الدنيا، على النعيم والنبوة والملك، وبين لقاء الله تعالى فلا يؤثرون على الله تعالى شيئاً لعظيم معرفتهم به وأن لقاءه عن رضوان هو الشرف الأكبر والنعيم الأوفر.

تتميم: روى النسائي وغيره، وألفاظهم متقاربة، (أنَّ الْمَلَائِكَةَ إِذَا نَزِلَتْ لِقَبْضِ رُوحِ


(١) متفق عليه. البخاري في كتاب المغازي باب مرض النبي، - صلى الله عليه وسلم -، ووفاته ٦/ ١٢، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة باب فضل عائشة، رضي الله عنها ٤/ ١٨٩٤، والموطّأ ١/ ٢٣٩ بلاغاً كلهم عن عائشة.
(٢) أبو مويهبة، ويقال أبو موهبة وهو قول الواقدي، مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، شهد غزوة المريسيع وكان ممن يقول لعائشة جملها. روى عنه عبد الله بن عمرو وهو من أقرانه، كذا ذكره الحافظ في الإصابة ٤/ ١٨٦ في ترجمته.
(٣) رواه الإِمام أحمد عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق. انظر الفتح الرباني ٢١/ ٢٢٣، والحاكم من نفس الطريق وقال صحيح على شرط مسلم، ورواه معزواً به يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن ربيعة عن عبيد بن عبد الحكم عن عبد الله بن عمرو عن أبي مويهبة، رضي الله عنهم، عن رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، نحوه، وصححه الذهى أيضاً. المستدرك ٣/ ٥٥ - ٥٦، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد ٩/ ٢٤ وعزاه لأحمد والطبراني وقال: إنهما روياه بإسنادين ورجال أحدهما ثقات إلا أن الإسناد الأول عن عبيد بن حنين عن عبد الله بن عمرو عن أبي مويهبة، والثاني عن عبيد بن حنين عن أبي مويهبة.
أقول: الرواية الأُولى عند الإِمام أحمد عن عبيد بن حنين عن أبي مويهبة، ونبه الحافظ، في الإصابة، على خطأ وقع في والد عبيد فقال: وقع في رواية بعضهم عبيد بن حنين، بمهملة ونونين، وبه جزم ابن عبد البر، وإنما هو عبيد ابن جبير، بجيم وموحدة، ونبه على ذلك ابن فتحون. الإصابة ٤/ ١٨٨.
درجة الحديث: صححه الحاكم والذهبي، وقد صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث. وعندي أنه حسن من أجل ابن إسحاق، وقد تقدم الكلام عليه.

<<  <   >  >>