للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

علماؤنا، رضي الله عنهم: النبي - صلى الله عليه وسلم -، بذلك مخصوص لثلاثة أوجه:

أحدها: إن الأرض دحيت له جنوباً وشمالاً حتى رأى المسجد الأقصى ورأى نعش النجاشي، قال المخالف: وأي فائدة في رؤيته وإنما الفائدة في لحوق بركته.

الثاني: أن النجاشي لم يكن له هناك ولي من المؤمنين يقوم بالصلاة عليه، قال المخالف: هذا محال عادة، ملك على دين لا يكون له اتباع والتأويل بالمحال محال.

الثالث: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - , إنما أراد بالصلاة على النجاشي إدخال الرحمة عليه، واستئلاف بقية الملوك بعده إذا رأوا الاهتمام به حياً وميتاً، قال المخالف: بركة الدعاء مِن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومِن سواه تلحق الغائب الميت باتفاق من الأمة، والذي عندي في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه علم أن النجاشي، ومن آمن معه، ليس عندهم من سنة الصلاة على الميت أثر، فعلم أنهم سيدفنونه بغير صلاة فبادر إلى الصلاة عليه (١)، والمسألة عريضة (٢) المدرك وحقيقتها في مسائل الخلاف وفي خروج النبي - صلى الله عليه وسلم -، بأصحابه إلى المصلى حين صلّى على النجاشي دليل على أنه لا يُصلّى على الميت في (٣) المسجد. قال علماؤنا: إلا عند ضيق خارج المسجد، وحديث عائشة، رضي الله عنها: (مَا صَلَّى رَسُولُ الله، صلَّى الله عَلَيْه وسلَّمَ عَلَى سُهَيْلٍ بْنِ بَيْضَاءَ إلَّا في المسجد) (٤). فحرف الجر متعلق بصلى لا بحالة سهيل


(١) ما رجحه الشارح هنا هو الذي رجَّحه الخطابي والروياني؛ فقد نقل الحافظ عن الخطابي قوله (لاَ يُصَلِّى عَلَى الْغَائِبِ إلا إذا وَقَعَ مَوْتهُ بِأرْضٍ لَيْس بِهَا مَنْ يُصَلِّي عَليْهِ) واستحسنه الروياني من الشافعية، وبه ترجم أبو داود في السنن الصلاة على المسلم يليه أهل الشرك ببلد آخر. فتح الباري ٣/ ١٨٨، وذكر ابن القيم في زاد المعاد عن شيخ الإِسلام ابن تيمية. الصواب أن الغائب إن مات ببلد لم يصل عليه فيه صُلِّي عليه صلاة الغائب، كما صلَّى النبي - صلى الله عليه وسلم -، على النجاشي لأنه مات بين الكفار، ولم يُصلّ عليه، وإن صُلِّي عليه حيث مات لم يصلّ عليه صلاة الغائب لأن الفرض سقط بصلاة المسلمين عليه. زاد المعاد ١/ ٣٠١.
(٢) في (ك) و (م) عويصة، وهي الصواب.
(٣) هذا هو مذهب المالكية والأحناف، أما غيرهم فيجوز عنده ذلك أخذاً من حديث عائشة الآتي. انظر فتح
الباري ٣/ ١٨٨ وشرح النووي على مسلم ٧/ ٤٠.
(٤) الموطأ ١/ ٢٢٩ - ٢٣٠ مَالِك عَنْ أبِي النَّضْرِ، مَوْلَى عمَر بْنِ عُبَيْدِ الله، عَنْ عَائِشَةَ أنهَا أمَرَتْ أنْ يُمَرَّ عَلَيْهَا بِسعْدٍ بْنِ أبْي وَقَّاص في الْمَسْجِدِ حِينَ مَاتَ لِتَدْعوَ لَهُ. ونقل السيوطي عن ابن عبد البر قوله هكذا هو في الموطأ عند جمهور الرواة منقطعاً، ورواه حماد بن خالد الخياط عن مالك عن أبى النضر عن أبي سلمة فانفرد بذلك عن مالك. تنوير الحوالك ١/ ٢٢٨ ورواه مسلم موصولاً من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير أنَّ عَائشة أمَرَتْ أنْ يمَرَّ بِجَنَازَةِ سَعدٍ بنِ أبِي وَقّاص في المسجِدِ فَتُصَلِّي عَلَيْهِ فَأنكرَ الناس ذلكَ عَلَيْهَا فَقالَتْ ما أسْرع ما نَسِي النَّاسُ (ما صلَّى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، عَلَى سهيْلٍ بْنِ بَيْضَاء إلَّا فِي الْمَسْجدِ). مسلم في =

<<  <   >  >>