للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بشيء من ذلك. رواه أشهب عن مالك، رضي الله عنه، نصاً ونقله عنه جميع أصحابه تنبيهاً فيمن قال لزوجته أسقني ماء وأراد الطلاق فإنه يلزمه بإجماع (١) منهم، وقوله أسقني ماء ليس بصريح ولا بكناية فهو بمنزلة الإشارة فلا يقع الطلاق حينئذ إلا بمجرد النية ..

ألا ترى إلى اتفاق الأمة على أنه لو قال لزوجته أنت طالق، ويريد بذلك من وثاق أنه لا يلزمه شيء .. وأما وجوب النية فيه فباتفاق لأنه عبادة (٢).

وأما الصوم فليس لأحد من علمائنا على وجوب الصوم دليل به إحتفال وأكثر ما عوّل عليه مالك، رضي الله عنه، قول الله تعالى {أَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (٣) .. فخاطب بذلك الصائمين، وهذا لا حجَّة فيه لأنه خطاب خرج عن (٤) حال فلا يلزم أن يكون شرطاً في جميع الأحوال، وقد اعتكف النبي - صلى الله عليه وسلم -، عشراً من شوال (٥)، ولم يذكر فعل الصيام ولا تركه .. والمسألة عسرة المأخذ (٦) في الشريعة وليس له عندي سبيل إلا ما أومأنا إليه في مسائل الخلاف من أن الاعتكاف هو ملازمة المسجد بالنيّة، فالنية تقطع قلبه عن الدنيا وعلائقها والمسجد يمنع بدنه من الاشتغال بأشغالها لأن المساجد {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} (٧)، ليس فيها عمل في غيره فلا يجوز له أن يعمل من الدنيا إلا


(١) انظر مواهب الجليل ٤/ ٥٨، والمنتقى ٤/ ١٦.
(٢) انظر الإفصاح لابن هبيرة ١/ ٢٥٥، وبداية المجتهد ١/ ٢٣٠.
(٣) سورة البقرة آية ١٨٧. وانظر الموطأ ١/ ٣١٥ قال مالك بعد ذكره للآية: إنما ذكر الله الاعتكاف مع الصيام .. والأمر عندنا أنه لا اعتكاف إلا بصيام.
قال الباجي: هذا مذهب فقهاء المدينة وأهل الكوفة وأبي حنيفة والثوري وغيرهما المنتقى ٢/ ٨١ وانظر بداية المجتهد ١/ ٢٣٠.
(٤) في (م) على.
(٥) متفق عليه، البخاري في الاعتكاف باب الاعتكاف في شوال ٣/ ٦٦، ومسلم في الاعتكاف باب متى يدخل من أراد الاعتكاف في معتكفه ٢/ ٨٣١، والبغوي في شرح السنة ٦/ ٣٩٢، والموطأ ١/ ٣١٦، كلهم من حديث عمرة عن عائشة.
(٦) هذه مسألة خلافية بين العلماء. قال ابن هبيرة: اختلفوا هل يصح الاعتكاف بغير صوم؟ فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد، في إحدى روايتيه: لا يصح بغير صوم، فجعلوا الصوم من شروطه. وقال الشافعي وأحمد في الرواية المشهورة عنه: يصح بغير صوم .. الإفصاح عن معاني الصحاح لابن هبيرة ١/ ٢٥٥، وانظر المغني ٣/ ١٨٨.
(٧) سورة النور آية ٣٦.

<<  <   >  >>