للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه المسألة أحد فهم عائشة وكلامها معروف في الحديث (١)، تفسيره: أنه إذا قال الرجل لآخر: لا جناح عليك أن تفعل كذا، فمقتضاه رفع الحرج في الفعل (٢)، ولم يكن في الشريعة حرج في الطواف بين الصفا والمروة، وكيف يكون فيه حرج وهو من شعائر الله؟ وإنما كان الحرج في قلوب طائفة من الناس كانوا يطوفون قبل ذلك بين الصفا والمروة للأصنام، فلما جاء الإِسلام كرهوا أن يدخلوا البقعة التي كانوا يكفرون فيها أو يفعلون الفعل الذي كانوا يشركون به فرفع الله تعالى ذلك الجناح عن قلوبهم وأمرهم بالطواف، وأخبرهم أنه من الشعائر كما كانوا يطوفون بالبيت في الجاهلية للأصنام التي كانت فيه، ثم جاء الإِسلام وطهّر البيت من الأصنام وصار الطواف لله وحده، وكذلك الصفا والمروة، وأما رمي الجمار فليس بركن، ووهم فيها عبد الملك (٣) وليس في ركنيتها دليل يعوَّل عليه، بيد أن العلماء بعد اتفاقهم على أن عرفة ركن الحج اختلفوا في وقت الوقوف فيه فقالت جماعة: فرض الوقوف بالليل منهم (م) (٤)، وقالت جماعة: فرض الوقوف بالنهار منهم (ش) (٥)، و (ح) (٦)، وقالت طائفة: الفرض الوقوف ليلاً أو نهاراً (٧)، واحتجوا بما روى عروة ابن مضرس أنه قال يا رسول الله (أكْلَلْتُ رَاحِلَتي وَأتعَبْتُ مَطِيتي وَأقْبَلْتُ مِنْ جَبَلِ طَيىَءٍ وَالله مَاتَرَكْت مِنْ جَبَل إلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ، فَهَلْ لي مِنْ حَجِّ؟ فَقَالَ لَهُ: مَنْ شَهِدَ


(١) روي الشيخان من طريق الزهري قال عروة: سألتُ عَائِشةَ رَضِيَ الله عَنْهَا، فَقُلْتُ لَهَا: أرَأيْتِ قَوْلَ الله تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} فَوَالله مَا عَلَى أحَدٍ جنَاحٌ أنْ لَا يَطوَّفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قالَتْ: بِئْس مَا قلْتَ يَا ابنَ أخْتِي إنَّ هذِهِ لَوْ كَانَتْ كَمَا أَوَّلْتهَا عَلَيْهِ كَانَتْ لَا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ولَكِنهَا نزَلَتْ في الأنْصَارِ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلموا يهُلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتي كَانوا يَعْبدُونَها .. البخاري في الحج باب وجوب الصفا والمروة ٢/ ١٩٣، ومسلم في كتاب الحج باب بيان أنّ السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به ٢/ ٩٢٨،والموطأ ١/ ٣٧٣، وشرح السنة ٧/ ١٣٩، وأبو داود ٢/ ٤٥٢ - ٤٥٤، والترمذي ٥/ ٢٠٨ - ٢٠٩، والنسائي ٥/ ٢٣٧ - ٢٣٨.
(٢) انظر كلام الشارح في أحكام القرآن ١/ ٤٦ والعارضة ٦/ ٩٤ - ٩٦.
(٣) عبد الملك هو ابن الماجشون تقدم والقول عزاه له النووي في المجموع ٨/ ١٧٩، وأشار الحافظ إلى هذا القول بقوله: وعندهم، أي المالكية، رواية أن رمي جمرة العقبة ركن يبطل الحج بتركه. فتح الباري ٣/ ٥٧٩.
(٤) انظر بداية المجهد ١/ ٣٤٨ - ٣٤٩.
(٥) انظر المجموع للنووي ٨/ ٩٤.
(٦) وانظر عمدة القاري شرح صحيح البخاري ١٠/ ٥، وشرح فتح القدير ٢/ ١٦٩.
(٧) قائل هذا القول هم الحنابلة، انظر المغني لابن قدامة ٣/ ٣٧٠ - ٣٧١.

<<  <   >  >>