للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طعامهم وذبيحتهم رخصة منه لشبهة الكتاب الذي معهم، وأما اشتراطنا العرفان في الذبائح فلأنه إن لم يعرف الذابح الم البهيمة وحرم الأكل بإفساد الذبح، وإنما جاز إيلامها لفائدة الانتفاع بها. وأما المذبوح فأن يكون مأذوناً في أكله حلالاً في نفسه حياً، ومعنى قولنا حياً احترازاً من المنخنقة (١) والموقوذة (٢) والمتردية (٣) والنطيحة (٤) وما أكل السبع (٥) حسب ما ورد في القرآن والخليسة (٦) وهي التي تنتزع من يد الذئب حسب ما ورد في السنة .. وقد اختلف العلماء والراوية عن مالك، رضي الله عنه، في هذه الأعيان الخمسة بالأحوال الخمسة هل تُذكَّى فتُؤكل أم قد فسدت بناء على أن قوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} (٧)، هل هو استثناء متصل أو هو مقطوع عن الأول مبينا لحكم مبتدأ. والصحيح عندي أنه راجع إلى الأول متصل به ولا يجوز فصله عنه إلا بدليل، وقد بيَّنا ذلك في كتاب الأحكام (٨). وأما الذبح فقال علماؤنا: لا بدّ فيه من النية وإنهار الدم بقطع الأوداج والحلقوم والمريء من جهة الحلق دون القفا وهو على ثلاثة أقسام: ذبح ونحر وعقر. فالذبح للغنم وما شاكلها، والنحر للإبل وما أشبهها، والعقر في كل محل عند عدم القدرة. وعلى هذا حمل علماؤنا الحديث حين قيل للنبي، - صلى الله عليه وسلم -: (الذَّكَاةُ إنَّمَا تَكُونُ في الْحَلْقِ وَالْلبَّةِ؟ فَقَالَ: لَوْ طَعَنْتَ في خَاصِرَتِهَا (٩) فَخُذْهَا أَجْزَأَك) (١٠)، والبقر مذبوحة لقول الله تعالى في القرآن: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا


(١) هي التي تخنق بحبل بقصد أو بغير قصد أو بغير حبل، الأحكام ٢/ ٥٣٦.
(٢) هي التي تقتل ضرباً بالخشب أو بالحجر. المصدر السابق.
(٣) هي الساقطة من جبل أو بئر. المصدر السابق.
(٤) هي الشاة التي تنطحها الأخرى بقرونها. المصدر السابق.
(٥) كان أهل الجاهلية إذا أكل السبع شاة أكلوا بقيتها، قاله ابن عباس وقتادة. الأحكام ٢/ ٥٣٧.
(٦) ورد عند الترمذي من حديث أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ عَنْ أبِيهَا أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ، عَنْ لُحُومِ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبْعِ وَكُلَّ ذِي مَخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأهْلِيَّةِ وَعَنْ الْمَجَثَّمَةِ وَعَنِ الْخَلِيسَةِ .. سنن الترمذي ٤/ ٧١ - ٧٢، وأورده ابن الأثير في جامع الأصول وعزاه للترمذي، جامع الأصول ٤/ ٤٩٩.
درجة الحديث: حسّنه عبد القادر الأرناؤوطي في تعليقه على جامع الأصول.
(٧) سورة المائدة آية ٣.
(٨) انظر الأحكام ٢/ ٥٣٩ فقد قال وقد روي عنه (أي عن مالك) أنه لا يؤكل إلا ما كان، بذكاة صحيحة، والذي في الموطأ عنه أنه ان كان ذبحها ونفسها تجري وهي تطرف فليأكلها وهذا هو الصحيح من قوله الذي كتبه بيده وقرأه على الناس من كل بلد عمره فهو أولى من الروايات الغابرة. وانظر الموطأ ٢/ ٤٩٠.
(٩) في (ك) و (م) و (ص) ليس فيها خاصرتها، وكذلك ليست في الأصول التي فيها الحديث.
(١٠) أبو داود ٣/ ٢٥٠، والترمذي ٤/ ٧٥، والنسائي ٧/ ٢٢٨، وابن ماجه ٢/ ١٠٦٣ كلهم عَنْ أَبِي الْعَشْرَاءِ عَنْ =

<<  <   >  >>