للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اتفق علماؤنا وغيرهم على أنه يستحب استقبال القبلة بالذبيحة وإحداد الشفرة لأنه من حسن الذبيحة، والتؤدة على الذبيحة حتى تموت لأن القطع منها قبل الموت زيادة في عذابها إذ فيها بقية من الإحساس.

رابعها: وأما قوله: "لَيْسَ السَّنُّ وَالظُّفْرُ" وذلك بيان لأن الذكاة موقوفة على المحدّد المطلق الذي لا يكون فيه عرض ولا يكون معه عض ولا رض كالسن في الفم والظفر المتصلة باللحم، وإذا كانت التسمية عندنا شرطاً فكل طعام يقدمه المسلم إلى المسلم يأكله وإن لم يدرِ هل سمى الله تعالى عليه أم لا (١)، كما جاء في حديث عائشة، رضي الله عنها، الذي أرسله (٢) مالك، رضي الله عنه، عن عروة حتى إذا شاهدته لم يسم فحينئذ يكف عنه كما فعل عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما (٣)؛ وفي هذه المسألة غلب الظاهر من حال المسلم، وهي التسمية، على الأصل وهو تحريم الذبيحة، حسب ما تقدم في أصول الفقه. وقد أدخل مالك، رضي الله عنه، حديث جارية كعب في الشاة التي أدركتها قبل أن تموت فذكَّتها بحجر، ونص مالك، رضي الله عنه، في موطّئه على المسألة فقال: (إِنْ كَانَتْ ذُبِحَتْ وَنفَسُهَا يَجْرِي وَهِيَ تَطْرِفُ فَلْتُؤْكَلْ) (٤) وهذا الذي قواه عمره كله فلا يلتفت إلى غيره.


(١) قال ابن عبد البر: ما ذبحه المسلم ولو لم يعلم هل سُمي عليه أم لا يجوز أكله حملاً على أنه سمى إذ لا يظن بالمؤمن إلا الخير - شرح الزرقاني ٣/ ٨١.
(٢) مَالِك عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ نَاساً مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يِأْتونَنَا بِلِحْمَانٍ وَلَا نَدْرِي هِلْ سَمّوا الله عَلَيْهَا أَمْ لاَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، سَمُّوا الله عَلَيْهَا ثُمَّ كُلُوهَا. الموطأ ٢/ ٤٨٨، قال ابن عبد البر: لم يختلف على مالك في إرساله. الزرقاني ٣/ ٨٠، وقد وصله البخاري في كتاب التوحيد من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في الصيد باب ذبيحة أهل الكتاب ٧/ ١٢٠، وأبو داود ٣/ ٢٥٤، والنسائي ٧/ ٢٣٧، ونقل الحافظ عن الدارقطني قوله الصواب وقفه التلخيص ١/ ١٥١.
(٣) رواه مالك في الموطأ ٢/ ٤٨٩ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا وَتلَا هَذِهِ الآيَةَ: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، وهو مرسل لأن ثور بن زيد لم يدرك ابن عباس. قال ابن عبد البر يرويه ثور عن عكرمة عن ابن عباس كما رواه الداروردي، وهو محفوظ من وجوه عن ابن عباس، شرح الزرقاني ٣/ ٨٢، وقال ابن حجر في تخريج أحاديث الكشّاف: هذا منقطع لأن ثوراً لم يلقَ ابن عباس وإنما أخذه عن عكرمة فحذفه مالك. الكافي الشاف بتخريج أحاديث الكشاف ص ٥٢.
درجة الأثر: ضعيف لوجود الانقطاع فيه.
(٤) الموطّأ ٢/ ٤٩٠.

<<  <   >  >>