للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فوقها لم تقطع شيئاً من ذلك كله، ولا جرى من الدم إلا ما يكون في الرأس وما حوله (١) ويموت دم البدن فيه، وقد اختلف علماؤنا في ذلك على قولين، والذي يقتضيه الحديث الصحيح المطلق وحديث أبي أمامة المفسّر قطع الأوداج لقوله: "مَا أَنْهَرَ الدَّمَ" وقطع الحلقوم لأن من الأطباء من يقول إذا سلم الحلقوم طبت الأوداج فيمكن أن يعيش فيكون حينئذٍ إنما مات مقتولًا لا مذكىً، ولا أظن أن من قطعت أوداجه يعيش أبداً ولذلك قال علماؤنا: إنه إذا قطع بعض ذلك ولم يستوف أجزأه، وأما المريء الذي روى أبو التمام (٢) فلا أعلم له وجهاً (٣)، وقد قال علماؤنا إذا قطع الرأس في الذبح لم يؤكل، وكذلك إذا كانت فيه من أول الذبح إبانة الرأس (٤) لأنه لم يقصد ذكاة إنما قصد قتلاً، وقيل يجزيه لأنه ذكاة وزاد فلا تضره الزيادة.

ثالثها: قوله: (وَذَكَرَ اسْمَ اللهِ) وفيه غريبة لم يذكرها أحد من العلماء وهي إجابة السائل بأكثر مما سأل عنه، وقد اختلف العلماء في التسمية هل هي شرط في الحل مع الذكر أم لا؟ فمشهور مذهبنا أنها شرط (٥) وقال (ش) ليست بشرط (٦)، وهي مسألة عسرة جداً عمدتنا فيها قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} (٧). فإن قيل المراد بالآية ما ذبح لغير الله تعالى، قلنا: ظاهرها تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه فنحن مع ظاهر اللفظ ومطلق القول من غير التفات إلى السبب، حسب ما بيناه في مسائل الخلاف، وقد


(١) الواو ليست في (ك) و (م) و (ص).
(٢) أبو التمام الثقفي أهدى النبي - صلى الله عليه وسلم -، رواية خمر في معجم الأوسط للطبراني، تجريد أسماء الصحابة للذهبي ٢/ ١٦٣، وأسد الغابة ٦/ ٤٠ ولم أطلع على قوله هذا.
(٣) قال الشارح في الأحكام ١/ ٥٤٢: ليس في الحديث الصحيح ذكر الذكاة بغير إنهار الدم، فأما فري الأوداج وقطع الحلقوم والمريء فلم يصح فيه شيء.
(٤) قال ابن رشد: المسألة الرابعة وهي أن قطع أعضاء الذكاة من ناحية العنق فإن المذهب أنه لا يجوز، وهو مذهب سعيد بن المسيب وابن شهاب وغيرهم، وأجاز ذلك الشافعي وأبو حنيفة وإسحاق وأبو ثور، وروي ذلك عن عمر وعلي وعمران بن حصين. بداية المجتهد ١/ ٣٣٦.
(٥) قال ابن رشد: اختلفوا في حكم التسمية على الذبيحة على ثلاثة أقوال: فقيل هي فرض على الإطلاق، وقيل بل هي فرض مع الذكر ساقطة مع النسيان، وقيل بل هي سنّة مؤكدة، وبالقول الأول قال أهل الظاهر وابن عمر والشعبي وابن سيرين، وبالقول الثاني قال مالك وأبو حنيفة والثوري، وبالقول الثالث قال الشافعي وأصحابه وهو مروي عن ابن عباس وأبي هريرة. بداية المجتهد ١/ ٣٢٨، وانظر أحكام القرآن للشارح ٢/ ٧٣٦.
(٦) انظر مغني المحتاج ٤/ ٢٧٢.
(٧) سورة الأنعام آية ١٢١.

<<  <   >  >>